بعد الفرص الأربعة التي ضيعها الإسلاميون والتي تحدثنا عنها في المساهمات السابقة أصبح الاستدراك أصعب وأصبحت كل لحظة من اللحظات هي فرصة متجددة لاتخاذ قرار الخروج من التحالف من أجل البدء في إعادة البناء قبل حصول مزيد من التراجع الذي بدأت أماراته جلية في انتخابات 2002 بالنسبة لحركة مجتمع السلم. تشتت جموع الجبهة الإسلامية للإنقاذ فمنهم من حمل السلاح وانتهى إلى وضع مأساوي تتحكم فيه أيادي خفية من داخل الوطن وخارجه، ومنهم من التحق بنظام الحكم وصار أداة طيعة في يده، وبقيت بعض قياداتهم في داخل الوطن وخارجه متوقفة عند سنة 1991 ، مكتفية بالتذكير بظلم نظام الحكم الذي يعلمه الجميع والحقد الشديد على الإسلاميين الذين اختاروا منهجا غير منهجهم، في حالة استعلاء دائم منعتهم من إبصار التطورات الحاصلة في البلد وفي المحيط الخارجي، لا يتصورون إمكانية الالتقاء مع الإسلاميين الآخرين ولو سقط السقف على الجميع. وازدادت حالة الانشطار التي ابتلي بها عبد الله جبالله منذ أن كان في عهد السرية إذ وصل عدد الانشقاقات التي وقعت في تاريخه أكثر من أربعة انشقاقات أو خمسة. إثنان على الأقل في عهد السرية وإثنان في عهد التعددية الحزبية ولم يحمل عناء النقد الذاتي لمعرفة أسباب انصراف خيار الإطارات الإسلامية عنه بأعداد كبيرة جدا وبقي، كما هو ديدن الإسلاميين، يلقي اللائمة على السلطة وكأنها أب رحيم لم يرحم. في هذه الظروف ورغم الصعوبات التي أصبحت تحيط بحركة مجتمع السلم بقيت هي الحركة الإسلامية الأوفر حظا للاستدراك باعتبار توفرها على انتشار هيكلي ونضالي علني في كامل التراب الوطني، لم يتأثر بالوضع السياسي، وحضور قوي في مختلف القطاعات النسوية والشبابية والاجتماعية، وفي مجال العلاقات والخبرة وعدد الإطارات والكفاءات المتنوعة. ولكن للأسف الشديد منعت حالة الاستقطاب التي عصفت بالحركة منذ المؤتمر الثالث سنة 2003 من الدخول في نقاش جاد وهادئ بخصوص الخيارات السياسية الكبرى بالرغم من أن النقاش حولها بأشكال غير رسمية لم يتوقف أبدا، ومنعت المزايدة المغشوشة بالوفاء لمنهج الشيخ من المناقشة الجدية بمغادرة التحالف بمناسبة الانتخابات الرئاسية سنة 2004. يمكن لأي أحد أن يعارض الشيخ محفوظ نحناح وأن لايتفق معه في خياراته السياسية ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك في أبعاده القيمية والأخلاقية في ما كان يتجه إليه في رؤاه وقراراته، وهذا الذي نقص منه الكثير للأسف الشديد بعد وفاته، حيث دفع اليأس من تحقيق المكاسب السياسية بواسطة العملية السياسية التي أفسدها التزوير الانتخابي إلى ركون العديد من مسؤولي الحركة لنظام الحكم تحت حجة المحافظة على المكتسبات والعمل ضمن المتاح ثم أفرزت هذه الحالة النفسية المستعجلة للثمرة والفاقدة لمعاني الصبر والتضحية نماذج انتهازية داخل الصف متضخمة الطموح الشخصي فأدى كل هذا إلى ضياع كثير من الوقت إلى أن وقعنا في الخطأ الذي لا مبرر له ولا يمكن تفهمه كما كان الحال في الأخطاء السابقة، وهو خطأ التصويت على دستور أكتوبر 2008 الذي فتح العهد الرئاسية. كُلف أحد مسؤولي الحركة (من أصحاب الانشقاق الأول في ما بعد) بإعداد ورقة حول الموقف من الدستور فقام مع من استعان بهم بعمل رائع أظهر من خلاله خطورة وفساد التعديل الدستوري بحجج دامغة أغاض به فئة بدأت تظهر في ذلك الوقت لا ترى إمكانية القيام بأي تصرف يخالف نظام الحكم، ولكن المصيبة الكبرى أن هذا الشخص نفسه حينما سئل هل يعني عملك هذا أننا نصوت بلا على الدستور ؟ قال : لا ! متعللا بأن هناك فرقا بين الرأي السياسي والموقف السياسي الذي يجب أن يأخذ بالاعتبار عوامل أخرى حسب رأيه فوقع الجميع في فخ تمرير الدستور لكي لا ندخل في صراع مع الرئيس بوتفليقة رغم قناعة الجميع بخطأ الموقف، وهو أمر محزن حقا يدل على تعقد الوضع الداخلي للحركة ولا يدل فقط على ضياع فرصة الانعتاق ولكن كان ذلك الموقف سببا رئيسيا في تراجع إضافي للحركة على مستوى النخب والجمهور. منذ تلك الفترة بدأت تتبلور داخل الحركة ثلاث توجهات كبرى، توجه يريد الارتباط الكلي بنظام الحكم وعدم القيام بأي تصرف يخالفه وهو التوجه الذي قام بعملية الانشقاق الثانية قبل بضعة أشهر، وتوجه قيادي قديم لم يكن يرى الخروج من التحالف مع السلطة بأي حال من الأحوال ولكن يمكن معارضتها ضمن استراتيجية "رجل في السلطة ورجل في المعارضة" التي غدت ممجوجة ولم يصبح الرأي العام الجزائري يتحملها مطلقا وهو التوجه الذي قاد عملية الانشقاق الأولى بعد المؤتمر الرابع ثم أصبح بعد خروجه من الحركة يظهر توجا معارضا على غير أصوله القديمة وتاريخه داخل الحركة، وتوجه ثالث لم يكن يحظى بالأغلبية على مستوى القيادات الأعلى والوسطى التي تتحكم في المؤسسات ولكنه كان غالبا على مستوى القواعد لا يؤمن بالتحالف ولا يرى فيه جدوى وهو التوجه الذي نما كثيرا في المرحلة الأخيرة خصوصا بعد تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة وفرض على الجميع الخروج من التحالف ولكن في وقت متأخر جدا، ولكنه يكفي للاستدراك مع صعوبات كبيرة سنتحدث عنها لاحقا بحول الله.
عبد الرزاق مقري
عبد الرزاق مقري
0 commentaires:
إرسال تعليق