الفرص التي ضيعها الإسلاميون في الجزائر ( 3)


وصلت الصحوة الإسلامية في أواخر الثمانينيات قبل الانفتاح السياسي إلى أوج قوتها فكان ميزان القوة السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع وفي مؤسسات الدولة لصالح التيار الإسلامي وكانت الحركة الإسلامية الأقوى والأكثر إنتشارا في الشارع هي حركة الشيخ محفوظ رحمه الله. وبعد ان انفلتت الأمور ودخل البلد في الفتنة انقلبت المعادلة واستغل العلمانيون والفاسدون الفرصة للتحكم في الوضع والسيطرة على موازين القوة، وكانت خططهم بتصفية التيار الإسلامي بجميع تفاصيله وعلمنة البلد في كل مناحيه بارزة واضحة يمكن قراءتها في مذكرات الجنرال نزار كما يمكن قراءتها في وثيقة معروفة لدى المهتمين كتبت سنة 1991 عنوانها" الجزائر 2005" صدرت عن مركز الدراسات الاستراتيجية الحكومي الذي كان يسيطر عليه رموز التيار العلماني المتطرف، وكانت المؤشرات تدل بأن حدة الصراع وتطرف أطرافه ستؤدي إلى انفلات عقد وحدة البلد وضياع الجزائر كلها، وبرزت خرائط لدويلات تخرج من الجزائر بعد تقسيمها، والمعلومات التي تبرهن على ذلك لم تكن شحيحة بالنسبة للمتابعين. اجتهد الشيخ اجتهادا سياسيا جريئا فاعتقد بأنه ربما يستطيع قلب المعادلة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فاختار أن يضع نفسه وحركته والرجال والنساء الذين معه بين طرفي الصراع حتى يخفف الصدام ولو أدى ذلك إلى ضربه من الطرفين، كما اختار أن يشجع التيار العروبي الإسلامي الذي بقي موجودا في مؤسسات الدولة من خلال سياسة المشاركة التي بدأها بدخول المجلس الانتقالي في ماي سنة 1994، وكان الشيخ محفوظ نحناح طامعا أن يصبح هو الحزب البديل الذي يقع عليه خيار الدولة والمجتمع. أظهرت الانتخابات الرئاسية سنة 1995 بأنه يستطيع أن يفعل ذلك حيث أخذ الأغلبية في صناديق الأحياء الفقيرة واتجهت إليه أصوات أغلبية أصوات الإسلاميين كما اخذ الأغلبية في مكاتب الثكنات العسكرية وثكنات الأمن العسكري والأحياء "الراقية" واستفاد من أصوات أغلب موظفي الدولة الجزائرية. زورت الانتخابات نهارا جهارا وضاعت فرصة الرئاسة وقيادة البلد مرة اخرى بتزوير اعترف به للشيخ محفوظ من فعله متحججين أمامه بلا حياء بمصلحة الوطن طالبين منه التفهم! صبر الشيخ محفوظ ( بالرغم من أنه أخذ من الأصوات المعترف بها بعد التزوير اكثر من الأصوات التي أعلنتها جبهة الإنقاذ لنفسها بلا تزوير) فاستطاع بصبره أن يضمن بهذه المساهمة استمرار وجوده ووجود التيار الإسلامي كله واستمارا فرص مشروعه وجعل العلمانيين يراجعون حساباتهم في علمنة البلد كما ساهم في تخفيف عنفوان الفتنة. غير أن السلطة قرأت هذه النتيجة باهتمام كبير فسارعت إلى قطع الطريق على استراتيجية الشيخ محفوظ ليكوّن حزبا بديلا قويا فأسست حزبها الجديد ( التجمع الوطني الديمقراطي) واسترجعت حزبها القديم ( جبهة التحرير الوطني)، فزورت الانتخابات التشريعية سنة 1997 لصالح الحزب الجديد وزحزح الحزب الإسلامي الفائز للمرتبة الثالثة ثم جاءت الانتخابات المحلية فصارت الخطة واضحة: تشكيل مجموعات مصالح في كل بلدية بواسطة مجالس محلية مزورة تصبح تدافع عن التجمع الوطني الديمقراطي من خلال الدفاع عن مكاسبها ثم المضي عبر السنوات لتجسيد تداول على السلطة افلان/أرندي داخل نفس النظام. لا يمكن للخطة ان تنجح إلا بإضعافٍ منهجيٍ للتيار الإسلامي وللحزب الإسلامي الأقوى فلا بد إذ من الحرص على بقائه في الحكومة عقودا طويلة من الزمن. 
كانت سنة 1997 ( بعد الانتخابات المحلية) هي الفرصة التاريخية الضائعة لحركة مجتمع السلم، لم يصبح ثمة مبرر أخلاقي وطني أو سياسي حزبي للبقاء في الحكومة، كان الواجب يقتضي إفشال مخطط النظام والاستمرار في جلب القوة من الشعب ولو بلا مكاسب سياسية ولو فعلت حركة مجتمع السلم في ذلك الوقت لدالت لها الدولة الجزائرية في الظروف العربية والدولية الجديدة. لم يكن لدينا في المجمل في ذلك الوقت الفطنة والدهاء وبعد النظر لفهم حقيقة الموازين داخل الدولة والمجتمع ولم نملك قدرة حقيقية على الاستشراف والقراءات المستقبلية ... يتبع..
د.عبد الرزاق مقري

0 commentaires:

إرسال تعليق

Loading

تابعنا

Twitter Facebook Favorites