الفرص التي ضيعها الإسلاميون في الجزائر (7)




حينما ضيعت الحركة الإسلامية الفرص الكثيرة السابقة لم يصبح بإمكانها تشكيل تيار شعبي كبير يتحدى التزوير الانتخابي ويدفع نظام الحكم للتهيب من مواجهة الإسلاميين والحساب معهم في ظل التغيرات العربية الكبيرة كما فعل نظام المخزن في المغرب على سبيل المثال. غير أن ثمة فرصة أخرى لاحت لهم من زاوية غير معهودة متجانسة نظريا مع خط المشاركة والتحالف مع نظام الحكم. من إيجابيات المشاركة الطويلة في الحكومة ( التي لا تقاس مع خطورة السلبيات التي تعاظمت مع الوقت حسب وجهة نظري) أنها أعطت فرصة كبيرة لبعض وزراء الحركة للتميز بإنجازاتهم وحققوا نجاحا واضحا أقر به رئيس الجمهورية نفسه الذي قال في مرة من المرات أنجح الوزراء في الحكومة هم وزراء حماس. ومن بين هؤلاء الوزراء برز عمر غول للرأي العام بشكل قوي لأن حرصه على إنجاز الطريق السريع رآه الملايين من الجزائريين كل يوم وكان من حظه أن المال وفير جدا يصلح لإنجاز طرق سيارة كثيرة وليس طريقا واحدا. كان بإمكان عمر غول أن يتخذ موقفا يدخل به التاريخ ويفتح له باب السلطة مشرعا إن في العاجل أو في الآجل. كان بإمكانه أن يقول لنظام الحكم أنني ملتزم بقرار حركتي بكل لطف وتقدير ثم يأتي لإخوانه يخبرهم بذلك فترتفع أسهمه إلى أعلى ما يمكن أن يتصوره أحد، إذ يضاف لافتخار المناضلين بإنجازه في الطريق السيار الافتخار بانضباطه والتزامه، فيصبح سيدا مطلقا داخل الحركة لا يجاريه أحد، ثم تأتي كل الاستحقاقات التنظيمية والسياسية فيكون فيها في مقدمة الركب حيثما ما أراد الترشح له، وإذا ترشح للانتخابات الرئاسية في 2014 ولو في مواجهة الرئيس بوتفليقة ستلتف حوله الحركة كلها وأحزاب الحركة الإسلامية وأحزاب كثيرة أخرى وجماهير غفيرة تقدر إنجازه، وسيكون عندئذ منافسا قويا يحقق نتيجة باهرة ستضطر النظام للتزوير الفظيع لا شك، ولكن هذا الحراك القوي الذي يكون قد أنشأه يؤهله ليكون زعيما سياسيا قويا لو أراد المقاومة السلمية والاستمرار في معارضة نظام الحكم وسيصل إلى الانتخابات الرئاسية التي تلي انتخابات 2014 حيث ستحدث لا محالة تغييرات جذرية في موازين القوة ( ربما قبل نهاية العهدة) يكون هو من صانعيها ستمكنه وحزبه من الوصول للحكم بتعاطف شعبي كبير وتطبيق برنامج إصلاحي لصالح الشعب وليس لصالح الزمر الحاكمة تماما كما فعل أردوغان الذي حينما تحرر من قبضة محتكري السلطة وواجههم سلميا نجح وأفلح. ولكن هذا لم يقع، وضاعت هذه الفرصة كذلك،. لم يستطع غول التحرر من قبضة السلطة الحاكمة ولم يشأ أن ينضبط بقرارات الحزب الذي صنعه وهيأ له كل الفرص واختار الانشقاق للأسف الشديد فلا هو ربح ولا حزبه الذي ولده ورباه ربح، فانقلبت عليه الآراء رأسا على عقب داخل الحركة وفي قطاعات واسعة من الجمهور الجزائري الذي لا يحب الخيانة، وبدأت ملفات الفساد تفتح عليه ولم يجد تلك الآلاف المنتشرة في كامل التراب الوطني من إخوانه السابقين يدافعون عنه، وبدأ بعض من استفادوا منه ممن ذهبوا معه أو التقى بهم خارج أروقة الحركة يتوجسون ويخافون على مصيرهم خصوصا أولئك الذين استفادوا من صفقات التعاقد من الباطن ! وكم ستكون الخسارة كبيرة حينما يذهب هذا الحلم الكبير تحت أقدام الطموحات الواهمة وفضائح الفساد الماحقة.... سواء كانت بحق أم بباطل أم بينهما. ... ولكن على الأقل ظهرت صدقية فكرة خطورة الاقتراب الشديد من الحكم في الجزائر، مع أننا كنا نتمنى أن نكون خاطئين في رأينا ويتحقق الحلم في هذه الفرصة أو في غيرها مما ذكرناه سابقا. ولكن الله غالب على أمره
عبد الرزاق مقري



الفرص التي أضاعها الإسلاميون في الجزائر (6)

حينما أصبح الرأي العام داخل حركة مجتمع السلم أغلبه مع ترك التحالف مع جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي كان الوقت قد مضى ليكون هذا الموقف مفيدا بشكل مباشر وسريع لحركة مجتمع السلم، بل الكثير من الجزائريين اعتبروا هذا الموقف انتهازيا وكأن حركة مجتمع السلم غادرت الباخرة حينما اعتقدت بأنها ستغرق كما غرقت بواخر الأنظمة العرية الأخرى، فهي استفادت من النظام لما كان يمكن الاستفادة منه ثم غادرته لما أوشك على السقوط. ورغم تأكيدي بأن الخروج من التحالف كان متأخرا جداً فإن تفسير خروجها بهذه الانتهازية المشينة فيه ظلم كبير لأن من استفاد من وجود الحركة في الحكومة هو البلد في المجمل في بداياته، وخسرت به الحركة، أما على المستوى الشخصي فالمستفيدون في الحركة هم مجموعة أفراد بقوا حرصين على البقاء في التحالف ثم غادر أغلبهم الحركة في الانشقاق الأول ثم في الانشقاق الثاني. فالخروج من الحكومة لا علاقة له على الإطلاق بالحسابات السياسية ولكنها مرحلة من تاريخ الحركة كان لا بد أن تصل في يوم من الأيام ولو جاءت متأخرة، دفعت إليها الظروف واتخذ القرار بطريقة ديموقراطية بعد مخاض عسير أدى إلى انشقاق من لم يقبلوا القرار. وكانت الحركة بهذا القرار أمام خيارين سيئين اختارت أقلهما سوء : الأول أن تخرج من التحالف في هذه الظروف وتتهم بالانتهازية، أو تبقى في التحالف وتتحمل مسؤولية الإخفاق في الإصلاحات السياسية مع نظام الحكم من الناحية المبدئية أولا وما سيترتب عنه من مخاطر جسيمة ثانيا ستظهر آجلا أم عاجلا فاختارت أن تتخذ موقفا مبدئيا وتترك التاريخ وتطور الأحداث يحكم عليها. 
حينما وصلت الحركة إلى هذا الوضع الصعب كان عليها أن تجد مخرجا إبداعيا يحافظ على فرصها ويعوض خسائرها ويمكِّن لمنهجها ومشروعها فاختارت التكتل مع الإسلاميين لجمع شتات هذا التيار وإرجاع الثقة لمؤديه الذين لا يزالون يمثلون الأغلبية ولكنهم تركوا المشاركة في الانتخابات بالتدرج مع تأكد التزوير والتحايل في كل الاستحقاقات. كان بإمكان هذا التكتل الإسلامي أن يحدث هزة في نفوس المناصرين للتيار الإسلامي فتجتمع المقدرات الانتخابية لكل حزب من أحزابه وتتحرك القوى الفاترة وتتحمس النفوس اليائسة ويرجع الأمل وتُرمم الثقة فينشأ تيار إسلامي جارف يفرض على نظام الحكم مراجعة حساباته وقبول الحلول التي تفرزها الصناديق والدخول في حوار جاد يضمن المحافظة على الاستقرار ولا يهدد أي كان ويرد الحقوق الضائعة للجميع في ظروف دولية وإقليمية مساعدة على ذلك وبمراعاة التجربة الجزائرية المؤلمة. ولكن للأسف الشديد هذه الفرصة ضاعت كذلك ولم يظهر تكتل الجزائر الخضراء إلا كتجمع ثلاث أحزاب إسلامية لأغراض انتخابية لأن الرأي العام الإسلامي لم يفهم أسباب عدم اشتمال هذا التكتل على الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجبهة العدالة و التنمية التي يرأسها عبد الله جبالله وجبهة التغيير التي يرأسها عبد المجيد مناصرة. كان بإمكان هؤلاء أن يغيروا المعطيات رأسا على عقب لو اجتمعوا ولكن للأسف الشديد لم يفعلوا، أما الجبهة الإسلامية للإنقاذ فقد تم الاتصال بهم عدة مرات ووصلتنا منهم أخبار سارة في البداية ولكن هذا الأمل لم يتجسد حيث أخبروا في الأخير بأنهم غير معنيين بالانتخابات أصلا، وأما عبد الله جبالله فقد تم الاتصال به عدة مرات بطرق عدة فلم يظهر أي استجابة وكان يعتقد في تلك الانتخابات بأنه سيصنع المفاجأة، وأما جبهة التغيير فتم الاتصال بهم وطلبوا مهلة للتشاور بينهم وعقدت معهم اجتماعات ولكنهم في الأخير اشترطوا أن تخرج حركة مجتمع السلم من الحكومة وهم أكثر الناس علما بأن ذلك الشرط أسابيع قبيل الانتخابات كان شرطا تعجيزيا وهو كذلك شرط غير مفهوم لما يأتي منهم لأنهم كانوا من أكثر وأول المتمسكين بالوجود في الحكومة لما كانوا في الحركة. لم يكن المطلوب هو فحص قوة هذا الحزب أو ذاك لتحقيق التكتل ولكن المطلوب كان إرجاع الثقة للناخب الإسلامي على المستوى الشعبي وتحريكه للمشاركة في الانتخابات بشكل فاعل وموحد ولكن ذلك لم يتحق إذ لم تتحرك في الغالب سوى القوى النضالية للأحزاب الثلاثة ولم يتحرك التيار الإسلامي في مجمله فظهر الفرق الكبير في القوة والانتشار بين الأحزاب المتكتلة فتسبب ذلك في بعض الأزمات حيث لم تقبل كثير من القواعد، وبشكل أساسي قواعد حركة مجتمع السلم، حالة الضعف التي ظهر بها الشركاء.

عبد الرزاق مقري

الفرص التي ضيعها الإسلاميون في الجزائر (5)


بعد الفرص الأربعة التي ضيعها الإسلاميون والتي تحدثنا عنها في المساهمات السابقة أصبح الاستدراك أصعب وأصبحت كل لحظة من اللحظات هي فرصة متجددة لاتخاذ قرار الخروج من التحالف من أجل البدء في إعادة البناء قبل حصول مزيد من التراجع الذي بدأت أماراته جلية في انتخابات 2002 بالنسبة لحركة مجتمع السلم. تشتت جموع الجبهة الإسلامية للإنقاذ فمنهم من حمل السلاح وانتهى إلى وضع مأساوي تتحكم فيه أيادي خفية من داخل الوطن وخارجه، ومنهم من التحق بنظام الحكم وصار أداة طيعة في يده، وبقيت بعض قياداتهم في داخل الوطن وخارجه متوقفة عند سنة 1991 ، مكتفية بالتذكير بظلم نظام الحكم الذي يعلمه الجميع والحقد الشديد على الإسلاميين الذين اختاروا منهجا غير منهجهم، في حالة استعلاء دائم منعتهم من إبصار التطورات الحاصلة في البلد وفي المحيط الخارجي، لا يتصورون إمكانية الالتقاء مع الإسلاميين الآخرين ولو سقط السقف على الجميع. وازدادت حالة الانشطار التي ابتلي بها عبد الله جبالله منذ أن كان في عهد السرية إذ وصل عدد الانشقاقات التي وقعت في تاريخه أكثر من أربعة انشقاقات أو خمسة. إثنان على الأقل في عهد السرية وإثنان في عهد التعددية الحزبية ولم يحمل عناء النقد الذاتي لمعرفة أسباب انصراف خيار الإطارات الإسلامية عنه بأعداد كبيرة جدا وبقي، كما هو ديدن الإسلاميين، يلقي اللائمة على السلطة وكأنها أب رحيم لم يرحم. في هذه الظروف ورغم الصعوبات التي أصبحت تحيط بحركة مجتمع السلم بقيت هي الحركة الإسلامية الأوفر حظا للاستدراك باعتبار توفرها على انتشار هيكلي ونضالي علني في كامل التراب الوطني، لم يتأثر بالوضع السياسي، وحضور قوي في مختلف القطاعات النسوية والشبابية والاجتماعية، وفي مجال العلاقات والخبرة وعدد الإطارات والكفاءات المتنوعة. ولكن للأسف الشديد منعت حالة الاستقطاب التي عصفت بالحركة منذ المؤتمر الثالث سنة 2003 من الدخول في نقاش جاد وهادئ بخصوص الخيارات السياسية الكبرى بالرغم من أن النقاش حولها بأشكال غير رسمية لم يتوقف أبدا، ومنعت المزايدة المغشوشة بالوفاء لمنهج الشيخ من المناقشة الجدية بمغادرة التحالف بمناسبة الانتخابات الرئاسية سنة 2004. يمكن لأي أحد أن يعارض الشيخ محفوظ نحناح وأن لايتفق معه في خياراته السياسية ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك في أبعاده القيمية والأخلاقية في ما كان يتجه إليه في رؤاه وقراراته، وهذا الذي نقص منه الكثير للأسف الشديد بعد وفاته، حيث دفع اليأس من تحقيق المكاسب السياسية بواسطة العملية السياسية التي أفسدها التزوير الانتخابي إلى ركون العديد من مسؤولي الحركة لنظام الحكم تحت حجة المحافظة على المكتسبات والعمل ضمن المتاح ثم أفرزت هذه الحالة النفسية المستعجلة للثمرة والفاقدة لمعاني الصبر والتضحية نماذج انتهازية داخل الصف متضخمة الطموح الشخصي فأدى كل هذا إلى ضياع كثير من الوقت إلى أن وقعنا في الخطأ الذي لا مبرر له ولا يمكن تفهمه كما كان الحال في الأخطاء السابقة، وهو خطأ التصويت على دستور أكتوبر 2008 الذي فتح العهد الرئاسية. كُلف أحد مسؤولي الحركة (من أصحاب الانشقاق الأول في ما بعد) بإعداد ورقة حول الموقف من الدستور فقام مع من استعان بهم بعمل رائع أظهر من خلاله خطورة وفساد التعديل الدستوري بحجج دامغة أغاض به فئة بدأت تظهر في ذلك الوقت لا ترى إمكانية القيام بأي تصرف يخالف نظام الحكم، ولكن المصيبة الكبرى أن هذا الشخص نفسه حينما سئل هل يعني عملك هذا أننا نصوت بلا على الدستور ؟ قال : لا ! متعللا بأن هناك فرقا بين الرأي السياسي والموقف السياسي الذي يجب أن يأخذ بالاعتبار عوامل أخرى حسب رأيه فوقع الجميع في فخ تمرير الدستور لكي لا ندخل في صراع مع الرئيس بوتفليقة رغم قناعة الجميع بخطأ الموقف، وهو أمر محزن حقا يدل على تعقد الوضع الداخلي للحركة ولا يدل فقط على ضياع فرصة الانعتاق ولكن كان ذلك الموقف سببا رئيسيا في تراجع إضافي للحركة على مستوى النخب والجمهور. منذ تلك الفترة بدأت تتبلور داخل الحركة ثلاث توجهات كبرى، توجه يريد الارتباط الكلي بنظام الحكم وعدم القيام بأي تصرف يخالفه وهو التوجه الذي قام بعملية الانشقاق الثانية قبل بضعة أشهر، وتوجه قيادي قديم لم يكن يرى الخروج من التحالف مع السلطة بأي حال من الأحوال ولكن يمكن معارضتها ضمن استراتيجية "رجل في السلطة ورجل في المعارضة" التي غدت ممجوجة ولم يصبح الرأي العام الجزائري يتحملها مطلقا وهو التوجه الذي قاد عملية الانشقاق الأولى بعد المؤتمر الرابع ثم أصبح بعد خروجه من الحركة يظهر توجا معارضا على غير أصوله القديمة وتاريخه داخل الحركة، وتوجه ثالث لم يكن يحظى بالأغلبية على مستوى القيادات الأعلى والوسطى التي تتحكم في المؤسسات ولكنه كان غالبا على مستوى القواعد لا يؤمن بالتحالف ولا يرى فيه جدوى وهو التوجه الذي نما كثيرا في المرحلة الأخيرة خصوصا بعد تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة وفرض على الجميع الخروج من التحالف ولكن في وقت متأخر جدا، ولكنه يكفي للاستدراك مع صعوبات كبيرة سنتحدث عنها لاحقا بحول الله.
عبد الرزاق مقري

الفرص التي ضيعها الإسلاميون في الجزائر (4)

تحدثت في المداخلات الثلاث السابقة عن الفرصة التاريخية الكبرى التي ضيعها قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1991، وعن فرصة إعادة الانتشار والاستعداد للمستقبل التي ضيعناها في حركة مجتمع السلم سنة 1997، وعن ضياع السانحة التي أوتيت لعبد الله جبالله سنة 2002. وثمة فرصة أخرى أتيحت لحركة مجتمع السلم للخروج من شراك الشراكة مع نظام الحكم الذي أوقعها فيه إرادتها الصادقة للمساهمة في تحقيق الاستقرار للوطن الذي لا ينجح العمل الإسلامي إلا في ظله ولإبقاء فرصة العمل والاستعداد للمستقبل، وكانت الحركة كثيرا ما تبرر سياستها تلك بحجةِ شرعية قويةِ، وهي صلح الحديبية الذي أبرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين والذي تنازل بموجبه عن قضايا ظهرت لكبار الصحابة أنها مبدئية فلم يستسيغوا قرار رسول الله وكادوا يعصونه كما هو معلوم، فقد قبل محو كلمة رسول الله من العقد، بل وأن يسَلِّم لهم من يأتيه من أهل مكة مسلما! مقابل أن تتوقف المواجهة لعشر سنوات ويأمن الناس كما جاء في سيرة ابن هشام. أراد الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله أن يترشح للانتخابات الرئاسية سنة 1999 وأخذ تأشيرة ذلك من مجلس الشورى الوطني ورفض العرض الذي قدم له من بوتفليقة ليتحالف معه. فقام نظام الحكم بإخراج ورقة كان قد أعدها له في دستور سنة 1996 الذي وُضعت فيه مادة تخصه هو بالذات تنص على عدم السماح للترشح لمن لا يملك شهادة المشاركة في الثورة التحريرية، ورغم الشهادات القوية التي قدمها قادة الولاية الرابعة منهم الرائد بورقعة وعلى رأسهم يوسف الخطيب المعروف بالعقيد سي حسان قائد الولاية الرابعة أثناء الثورة التحريرية رفضت لجنة منح الشهادات في وزارة المجاهدين الاجتماع لمنحه البطاقة بإيعاز ممن وضعوا المادة الدستورية حينما علموا في انتخابات 1995 بأنه لا مجال لمنافسة الشيخ محفوظ انتخابيا. بعد أن منع نظام الحكم الشيخ محفوظ من الترشح حرصوا على ضمه إليهم فوفروا له مخرجا لحفظ ماء الوجه حيث زاره بوتفليقة شخصيا إلى المقر وهيئوا له ائتلافا مكتوبا مع حزبي الجبهة والتجمع وضموا له حزبا إسلاميا آخر هو حركة النهضة. كانت هذه الحادثة هي الضربة القاصمة التي زعزعت الشيخ محفوظ وغيرت ملامح كثيرة في شخصيته فغاب شيء كثير من طبيعته المرحة وقدرته على التحمل ولم يعد يحضر كثيرا في إدارة شؤون حركته ولم يصبح متحفظا في نقده لنظام الحكم حيث أصبح يتهمهم في لقاءات خاصة بأشياء خطيرة جدا وبعدها مباشرة أصيب بالمرض الذي توفاه الله به. كل المؤشرات كانت تبين بأن الشيخ محفوظ نحناح كان في حالة إرباك شديدة وقد صرح في مجلس الشورى الوطني في الطابق الأسفل في مقر الحركة بعد اضطراره للعودة لمساندة بوتفليقة وهو يبكي بأنه هو المسؤول عن هذا الاضطراب الذي وقع للحركة. وأتصور أن الخطأ لم يتعلق فقط بعدم التحالف مع بوتفليقة منذ البداية باعتبار أن بوتفليقة جاء في بداية أمره ضعيفا في خصومة واضحة مع قيادات المؤسسة العسكرية وكان يريد تحالفات مع الأحزاب من أجل تمدين العمل السياسي، وكان يمكن أن يكون التحالف معه عن قوة فرصة للحركة لتأخذ موقعا حقيقيا في الحكم كما وعدها بوتفليقة نفسه في جلسة حضرتها بنفسي فيتيح لها ذلك ضمان الحريات والديمقراطية على الأقل التي هي في صالح البلد قبل كل شيء وفي صالح الحركة الإسلامية، ورغم حسن ظني بالشيح محفوظ الذي فضل الاستقرار وعدم الدخول في مغامرة لم يعد لها العدة، ورغم علمي بأن فكره بخصوص علاقته بالحكم تغيرت كلية وأنه كان إنما يريد ربح الوقت لترتيب شؤونه وبدأ يُنَظِّر للمعارضة من خلال كتابه الذي سُرق وأخفي قبل أن يرى النور بعد وفاته تحت عنوان " الدولة وأنماط المعارضة"، رغم ذلك أرى بأن الخطأ الأكبر تعلق بالرجوع للتحالف مع بوتفيلقة عن ضعف حيث أصبح هذا الأخير ينظر للشيخ محفوظ انه جاءه مضطرا رغم المجاملات التي منحها له في مقر الحركة، وأن مجيئه جاء وفق ترتيبات قام بها غيره، علاوة أن مساندة بوتفليقة بعد إظهار الخصومة الشديدة وإظهار عيوبه بواسطة قصاصات كان الشيخ موحفوظ نفسه يسلمها لنا قبل رفض ترشحه، وبعد الإيذاء الشديد الذي سُلط على الشيخ محفوظ في سمعته وتاريخه. كان بإمكان مواصلة معارضتنا لبوتفليقة ودعم المعارضة القوية التي ظهرت في مواجهته في الانتخابات الرئاسية من كل التيارات أن تحقق توازنا في القوة لا يسمح بالهيمنة التي منحت لبوتفلية الذي استطاع أن يجد التوازن مع قيادات المؤسسة العسكرية ضمن توزيع النفوذ والمصالح الذي نراه اليوم. أذكر جيدا أن شعبيتنا صعدت إلى عنان السماء بعد قرار منع الشيخ محفوظ من الترشح خصوصا بعد المعالجة الإعلامية الجيدة التي ظهرنا بها في الدفاع عن أنفسنا. ولو انطلقنا في مشروع سياسي جديد من تلك اللحظة لكانت الحركة الإسلامية اليوم في أحسن أحوالها، ولكن عكس ذلك وقع، استقالات واسعة عن العمل غير معلنة ظهرت في صف الحركة وانصراف أعداد كبيرة من الجماهير عنا ظهرت في انتخابات 2002 التي تقدم فيها جبالله. ولم يصبح ممكنا تعليل ذلك بإيثار الاستقرار لأن الجزائر لم تصبح مهددة كما كانت، وأن الذي أصبح يهددها هو الاختلال العظيم في ميزان القوة لصالح نظام يمسك بكل السلط في يده مما ألغى سنة التدافع التي تمنع الفساد وتصلح الأرض كما جاء في قوله تعالى (( ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض))، ولم يصبح متاحا التعلل بصلح الحديبية لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ألغاه بعد عامين ( ثمان سنوات قبل نفاذه) لما غدر به المشركون، ونظام الحكم ( مع الفارق في قضية الإسلام والشرك بطبيعة الحال) غدر بكل عهوده مرات ومرات.
عبد الرزاق مقري

الفرص التي ضيعها الإسلاميون في الجزائر ( 3)


وصلت الصحوة الإسلامية في أواخر الثمانينيات قبل الانفتاح السياسي إلى أوج قوتها فكان ميزان القوة السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع وفي مؤسسات الدولة لصالح التيار الإسلامي وكانت الحركة الإسلامية الأقوى والأكثر إنتشارا في الشارع هي حركة الشيخ محفوظ رحمه الله. وبعد ان انفلتت الأمور ودخل البلد في الفتنة انقلبت المعادلة واستغل العلمانيون والفاسدون الفرصة للتحكم في الوضع والسيطرة على موازين القوة، وكانت خططهم بتصفية التيار الإسلامي بجميع تفاصيله وعلمنة البلد في كل مناحيه بارزة واضحة يمكن قراءتها في مذكرات الجنرال نزار كما يمكن قراءتها في وثيقة معروفة لدى المهتمين كتبت سنة 1991 عنوانها" الجزائر 2005" صدرت عن مركز الدراسات الاستراتيجية الحكومي الذي كان يسيطر عليه رموز التيار العلماني المتطرف، وكانت المؤشرات تدل بأن حدة الصراع وتطرف أطرافه ستؤدي إلى انفلات عقد وحدة البلد وضياع الجزائر كلها، وبرزت خرائط لدويلات تخرج من الجزائر بعد تقسيمها، والمعلومات التي تبرهن على ذلك لم تكن شحيحة بالنسبة للمتابعين. اجتهد الشيخ اجتهادا سياسيا جريئا فاعتقد بأنه ربما يستطيع قلب المعادلة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فاختار أن يضع نفسه وحركته والرجال والنساء الذين معه بين طرفي الصراع حتى يخفف الصدام ولو أدى ذلك إلى ضربه من الطرفين، كما اختار أن يشجع التيار العروبي الإسلامي الذي بقي موجودا في مؤسسات الدولة من خلال سياسة المشاركة التي بدأها بدخول المجلس الانتقالي في ماي سنة 1994، وكان الشيخ محفوظ نحناح طامعا أن يصبح هو الحزب البديل الذي يقع عليه خيار الدولة والمجتمع. أظهرت الانتخابات الرئاسية سنة 1995 بأنه يستطيع أن يفعل ذلك حيث أخذ الأغلبية في صناديق الأحياء الفقيرة واتجهت إليه أصوات أغلبية أصوات الإسلاميين كما اخذ الأغلبية في مكاتب الثكنات العسكرية وثكنات الأمن العسكري والأحياء "الراقية" واستفاد من أصوات أغلب موظفي الدولة الجزائرية. زورت الانتخابات نهارا جهارا وضاعت فرصة الرئاسة وقيادة البلد مرة اخرى بتزوير اعترف به للشيخ محفوظ من فعله متحججين أمامه بلا حياء بمصلحة الوطن طالبين منه التفهم! صبر الشيخ محفوظ ( بالرغم من أنه أخذ من الأصوات المعترف بها بعد التزوير اكثر من الأصوات التي أعلنتها جبهة الإنقاذ لنفسها بلا تزوير) فاستطاع بصبره أن يضمن بهذه المساهمة استمرار وجوده ووجود التيار الإسلامي كله واستمارا فرص مشروعه وجعل العلمانيين يراجعون حساباتهم في علمنة البلد كما ساهم في تخفيف عنفوان الفتنة. غير أن السلطة قرأت هذه النتيجة باهتمام كبير فسارعت إلى قطع الطريق على استراتيجية الشيخ محفوظ ليكوّن حزبا بديلا قويا فأسست حزبها الجديد ( التجمع الوطني الديمقراطي) واسترجعت حزبها القديم ( جبهة التحرير الوطني)، فزورت الانتخابات التشريعية سنة 1997 لصالح الحزب الجديد وزحزح الحزب الإسلامي الفائز للمرتبة الثالثة ثم جاءت الانتخابات المحلية فصارت الخطة واضحة: تشكيل مجموعات مصالح في كل بلدية بواسطة مجالس محلية مزورة تصبح تدافع عن التجمع الوطني الديمقراطي من خلال الدفاع عن مكاسبها ثم المضي عبر السنوات لتجسيد تداول على السلطة افلان/أرندي داخل نفس النظام. لا يمكن للخطة ان تنجح إلا بإضعافٍ منهجيٍ للتيار الإسلامي وللحزب الإسلامي الأقوى فلا بد إذ من الحرص على بقائه في الحكومة عقودا طويلة من الزمن. 
كانت سنة 1997 ( بعد الانتخابات المحلية) هي الفرصة التاريخية الضائعة لحركة مجتمع السلم، لم يصبح ثمة مبرر أخلاقي وطني أو سياسي حزبي للبقاء في الحكومة، كان الواجب يقتضي إفشال مخطط النظام والاستمرار في جلب القوة من الشعب ولو بلا مكاسب سياسية ولو فعلت حركة مجتمع السلم في ذلك الوقت لدالت لها الدولة الجزائرية في الظروف العربية والدولية الجديدة. لم يكن لدينا في المجمل في ذلك الوقت الفطنة والدهاء وبعد النظر لفهم حقيقة الموازين داخل الدولة والمجتمع ولم نملك قدرة حقيقية على الاستشراف والقراءات المستقبلية ... يتبع..
د.عبد الرزاق مقري

الفرص التي ضيعها الإسلاميون في الجزائر (2)

أكبر تراجع ( وفق الأرقام الانتخابية) في تاريخ حركة مجتمع السلم إلى اليوم كان في الانتخابات التشريعية 2002 في حياة الشيخ محفوظ رحمه الله (هذه إشارة للذين يزايدون علينا بأن الحركة تراجعت بعد وفاة الشيخ محفوظ). في هذه الانتخابات برز الشيخ عبد اله جبالله الذي احتل المرتبة الثالثة بعد جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي. تلك هي الانتخابات التي قرر عندها وبعدها الناخبون هجر صناديق الاقتراع بعد أن اتضح لهم بأن نظام الحكم لن يترك أي إسلامي يمر سواء كان "متشددا" أو "معتدلا" حيث اتضح لهم ذلك جليا بعد إلغاء انتخابات 1991، وتزوير انتخابات 1995 و1997.استفادت جبهة التحرير والتجمع الوطني الديقراطي من هذا العزوف كما استفادوا من الأصوات الخيالية التي أضافها نظام الحكم لنفخ نسبة المشاركة. في الوقت الذي تراجعت فيه حركة مجتمع السلم تقدم عبد الله جبالله وحقق حزبه حركة الإصلاح الوطني المرتبة الثالثة حيث استطاع أن يستفيد من جزء مهم من الكتلة الناخبة الإسلامية وغير الإسلامية التي صمدت وبقيت تشارك في الانتخابات. تعتبر المرتبة الثالثة في ظل مسار التزوير مرتبة أساسية تسمح بالمحافظة على فرص المشروع الإسلامي مستقبلا. لهذا السبب ابتهج الشيخ محفوظ بصعود عبد الله جبالله عندما تراجعت الحركة، دخلت عليه رحمه يوم ذاك في مكتبه حزينا أحتج عليه بطريقة دبلوماسية كيف يقع لنا هذا التراجع وتتقدم علينا حركة الإصلاح الوطني رغم الفرق الشاسع بيننا في الانتشار الهيكلي والتنظيمي، فقال لي ينبغي أن نحمد الله أن الذي احتل مكاننا حزب إسلامي فلا تحزن !
كانت تلك فرصة كبيرة ليأخذ المشعل حزب إسلامي آخر لا مؤاخذة عليه في شأن المشاركة الحكومية التي انتهجتها حركة مجتمع السلم لأسباب وفي ظروف سنتحدث عنها في الفرص التي ضيعتها هي، كان بإمكان عبد الله أن يتحول إلى زعيم وطني لا يعادله أحد وان يجر بعد تلك الانتخابات تيارا شعبيا واسعا قد لا ينفع في الانتخابات باعتبار مسارها التزويري ولكنه يساعد كثيرا في الضغط من أجل إصلاحات حقيقية توصل التيار الإسلامي إلى ما وصل إليه حزب العدالة والتنمية المغربي على الأقل، في ظروف الثورات العربية. ولكن عبد الله جبالله فوت الفرصة لأسبب تتعلق بنفسيته وطرق تسييره شؤونه التنظيمية والحزبية للأسف الشديد، ولا ينفع أن يقول بأن النظام تآمر علي مع من انشقوا عليه في مختلف المرات، إذ حتى وإن وقع ذلك حقا ماذا فعل هو ليضمن صفا داخليا محصنا؟
عبد الرزاق مقري

الفرص التي أضاعها الإسلاميون في الجزائر (1)


ملاحظة أولية: قد تكون ملاحظاتي قاسية على كل من سأتحدث عنهم من الإسلاميين، القريبين مني والبعيدن، ولكنني لن أقول إلا ما أراه صوابا عسى أن ينفع حديثي في إصلاح وضع المشروع قبل وضع الحركات والأحزاب، ووضع الأحزاب والحركات قبل وضع الأشخاص. قد تكون ردود فعل البعض سيئة، ولكن أود لو تكون الردود فكرية وسياسية حتى تتضح الحقائق وتتمحص. فمن قرأ منا شيئا يحرج ضميره فليكن مصلحا لنفسه ولغيره فالحق أحق أن يتبع، ومن قرأ شيئا خاطئا أو باطلا فليصبر ويرد بالحسنى وليعلم: (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا))، ولنحذر النفس الأمارة بالسوء (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)).وإنما يحزن العليم بخطئه المصر على انحراف نفسه، أما البريء فكعبه عاليا !
ـ الفرصة الأولى: هي سنة 1991 حينما ملكت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشارع فاغترت به وخاصمت القريب والبعيد، والعلماني والإسلامي، وغاب عنها مقومات الحكم الأخرى التي لم تكن تملكها، ولم تنتبه لحقائق التوازنات الدولية في تلك المرحلة فراحت تَعد بمحاكمات شعبية لرجال السلطة والجيش في التجمعات العامة واعتمدت عنفا لفظيا لا مبرر له، ورفضت دعوات التحالفات وخفض مستوى طموحاتها في تلك المرحلة والسير بالمرحلية وعدم تخويف الآخرين كما هي سيرة المصطفى والمصلحين من بعده وكما تعمل الحركات الإسلامية اليوم في الحكم، تشد وتطلق، تكر وتفر. ثم لما أُلغيت الانتخابات وحُل الحزب لم يتصرفوا كما تصرف أربكان الذي حُل حزبه وألغي فوزه ودخل السجن فصبر وواصل النضال السلمي حتى وصلت تركيا لما هي عليه، ولما انحرفت الأمور للعمل المسلح لم يتبرأ منه قادة الإنقاذ وتورط كثير من رجالها ومناضليها فيه ولم يعلموا بأن حمل السلاح كان فخا عمل العلمانيون والفاسدون وضباط فرنسا على إغراقهم فيه بل وضرب المشروع الإسلامي كله به والتحكم من خلال ذلك في السلطة من جديد. والوضع الذي عليه الإسلاميون اليوم يعود سببه إلى كثير من ذلك. وهذا التقييم يقتنع به ويؤمن به رجال كثيرون من قيادات جبهة الإنقاذ ومنهم من صرح لي بذلك بوضوح، ولا يصح لمناضلين آخرين في الفيس أوالمتعاطفين معه أن يحملوا غيرهم المسؤولية، فلا يتوقع أن يتركهم خصوم المشروع الإسلامي، بل كان عليهم أن يكونوا أذكى وأقدر على إدارة الصراع. كما لا يصح تحميل الحركة الإسلامية الأخرى المسؤولية وخصوصا حركة حماس والشيخ محفوظ نحناح رحمه الله كما يحلو لهم لتغطية الفشل، فمن حق غيرهم أن يخالفوهم وأن يقتنعوا بمنهج آخر، ثم القوة الشعبية كلها كانت في يد جبهة الإنقاذ فلما لوم الآخرين وما عسى الآخرين أن يفعلوا، لا بد أن نتذكر أنه لما طلبت حركتا النهضة وحماس من الفيس الحوار والتحالف قال عباس مدني كيف "يتحالف الفيل مع النملة". كانت جبهة الإنقاذ تملك قوة كبيرة بإمكانها أن تحقق إنجازات مرحلية مهمة جدا، ولكن للأسف أضاع التعجل كل شيء واختلت الموازين لصالح التيار العلماني وتراجع المشروع الإسلامي سياسيا واجتماعيا، ووُضع البلد تحت غطاء محاربة الإرهاب في أيادي متعطشين للسلطة وتيارات فاسدة أصبحت اليوم تستغل مؤسسات الدولة وتهدد استقرار البلد ومستقبل الأجيال.... يتبع.
عبد الرزاق مقري

نشأة النظام السياسي الجزائري وتطوره


كان من الممكن أن تتحول الجزائر بعد الاستقلال إلى بلد ديمقراطي من الطراز العالي بسبب التنوع السياسي والتعددية الفكرية والتعايش البديع والتجربة العريقة والقيادات الفذة التي أنتجتها الحركة الوطنية الجزائرية، غير أن حسم الصراع على السلطة باستعمال القوة العسكرية منذ الساعات الأولى للاستقلال فوّت الفرصة على أجيال الجزائريين إلى اليوم.
·         إن من إبداعات الثورة التحريرية المباركة ومفاخرها أنها أسست نظاما استخباراتيا محكما وفاعلا، ساعد كثيرا على إدارة الصراع مع المستعمر لصالح الثوار، ومؤسسة عسكرية قوية وعصرية وذات مصداقية لا تزال هي أساس وحدة البلاد. غير أن هذه الإنجاز المؤسسي الثوري الكبير لم يبق حياديا يعمل لصالح البلد فحسب بل استُعمل في الصراع على السلطة قبيل وبعد الاستقلال. ما إن وصل بومدين إلى المكانة والقوة إبّان الثورة التحريرية حتى راح يسارع الخطى للانقضاض على الحكم في الجزائر المستقلة. وقد بين الطاهر الزبيري ذلك بوضوح حين نقل في مذكراته تلك العبارة التي أسرّها الهواري باللغة الفرنسية لفريقه ((il faut viser le pouvoir)). لم يكن بومدين صاحب تاريخ عريق في الثورة التحريرية جعله يشعر بأحقية استلام الحكم وإنما الذي استهواه هو تمكنه من القوة العسكرية وتحكمه في جهاز الاستخبارات الذي استلمه من ولي نعمته وصاحب الفضل عليه عبد الحفيظ بوصوف مؤسس الجهاز ومبدعه.
·         استطاع بومدين أن يقنع الوجه السياسي البارز أحمد بن بلة بالتحالف من أجل الإطاحة بالحكومة الجزائرية المؤقتة وباقي الوجوه السياسية التاريخية الأخرى. وحين استتب لهما الأمر نشب الصراع بينهما فحُسم لصالح القوة العسكرية التي كان يتحكم فيها بومدين وفريقه. منذ ذلك الحين أصبحت المؤسسة العسكرية هي جوهر وأساس نظام الحكم في الجزائر مع تغيرات في الشكل وأشكال التوازنات بين رئاسة الجمهورية والجيش من فترة إلى أخرى.
·         كانت الفترة البومدينية (من جوان 1965 إلى ديسمبر 1978) هي فترة الارتباط الكلي بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية ضمن تبعية مطلقة لرئيس الجمهورية. لهذا السبب لم تقدر التعددية السياسية والحزبية أن تجد لها مكانا في البلد. وحتى الحزب الواحد المتمثل في جبهة التحرير الوطني صار جهازا إداريا لا علاقة له بالوظيفة السياسية سوى ما تعلق بالتعبئة الجماهيرية لصالح مخططات وبرامج الرئاسة.
·         بعد وفاة الرئيس بومدين (27 ديسمبر 1978) عادت المؤسسة العسكرية للواجهة وكانت هي الطرف الوحيد الذي فصل في مستقبل الحكم حيث فصل القادة العسكريون آنذاك في الصراع على الاستخلاف بين عبد العزيز بوتفليقة المقرب من بومدين ووزير خارجيته، ومحمد الصالح يحياوي منسق الحزب. واختاروا عسكريا غير معروف في الأوساط الشعبية هو الشاذلي بن جديد. مع مرور الزمن استطاع الشاذلي بن جديد أن يتحرر من مزيّة الذين جاؤوا به للحكم وصار  رئيس الجمهورية مرة أخرى هو الحاكم الأول، ولكن ضمن أسلوب أقل صلابة وأكثر انفتاحا من سابقه.
·         عمل الشاذلي بن جديد على حل المشاكل الكبيرة التي عرفتها البلاد في أواخر الثمانينيات من خلال الانفتاح السياسي والتمهيد للتعددية الحزبية. غير أن هذا المسعى هو الذي قضى عليه حينما أراد أن يتمسك به ضمن قطبية ثنائية متصارعة أشد الصراع لم يقدر على تكييفها. بعد أن احتدمت المواجهة وبلغت أوجها حُسمت شعبيا لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ. غير أن الكلمة الأخيرة كانت للجبهة المعارضة للحزب الفائز، إذ دفع عدد من ضباط المؤسسة العسكرية الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة، ثم أقدموا على توقيف وإلغاء المسار الانتخابي وحل جبهة الإنقاذ بحجة أن هذه الأخيرة تريد الوصول إلى السلطة بالصندوق ثم تلغي الاختيار الديمقراطي على حد قولهم.  
·         أصبحت المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية بعد إلغاء الانتخابات هي صاحبة الموقف وسيدة القرار، غير أنه لا بد للبلد من واجهة سياسية ذات مصداقية تُغطي على موقف إلغاء انتخابات ديمقراطية وحل الحزب الفائز وإدخال الآلاف للسجون والمحتشدات فوقع الخيار على زعيم كبير من زعماء الثورة التحريرية هو محمد بوضياف. طُلب من هذا الأخير أن يكون رئيسا للدولة (جانفي 1992) من خلال ترأسه لهيئة رئاسية جديدة هي المجلس الأعلى للدول. غير أن الخيار لم يكن مناسبا لأن زعيما كمحمد بوضياف لا يقبل أن يكون تابعا لمجموعة من العسكريين والمدنيين، يعتبر نفسه صاحب فضل عليهم، وعارض النظام الذي أوجدهم لسنوات طويلة. حاول بوضياف أن يفرض نفسه في معادلة الحكم فدافع عن صلاحياته وبدأ يمهد لتأسيس حزب بديل وأصبحت أخبار الصراع في أعلى هرم الدولة متداولة بين الجميع وكانت نهاية الأمر اغتيال بوضياف في ظروف غامضة أمام الملإ وعلى المباشر.
·         بعد مقتل بوضياف (في 29 جوان 1992)  ترأس المجلس الأعلى للدولة علي كافي قائد الناحية العسكرية الثالثة أثناء الثورة التحريرية (19 جويلية 1992) ثم كُلف وزير الدفاع الجنرال اليمين زروال برئاسة الدولة مؤقتا ثم أصبح رئيسا منتخبا في أول انتخابات رئاسية تعددية مثيرة للجدل سنة 1995، فانسجمت هذه المرة هيأة الرئاسة ضمن محيط الأسرة العسكرية. لم يدم هذا الانسجام طويلا حيث اندلع صراع شديد داخل سرايا الحكم نفسه تحدثت عنه وسائل الإعلام كثيرا، وكانت خلفية الصراع اختلافات في طرق تسيير الأزمة وحول الريع والمواقع وقضايا أيديولوجية. لم يطل زروال كثيرا في الحكم فبعد أن انزاح صديقه ومستشاره الشخصي الجنرال السابق محمد بتشين الذي كان في قلب ذلك الصراع، قدم استقالته وغادر السلطة بهدوء.
·         أحس العسكريون مرة أخرى بالحاجة لوجه سياسي قوي لاستقرار شؤون الحكم ورفع حالة الحرج دوليا فوقع الخيار على عبد العزيز بوتفليقة. وبعد الفشل في إقناعه في المحاولة الأولى سنة 1994 لأسباب تتعلق بالصلاحيات تم الاتفاق معه سنة 1999 ونظمت انتخابات رئاسية آمنة كان الفوز فيها مؤكدا بعد انسحاب المترشحين الستة الآخرين ذوي الأوزان الثقيلة. وبعد منع المرحوم الشيخ محفوظ نحناح من الترشح لها لأسباب تعسفية حتى لا يحصل الاضطرار للتزوير كما وقع في انتخابات الرئاسة سنة 1995.
·         أظهر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ البداية رغبته في أخذ صلاحياته كاملة. ودخل في خصومات خطابية علنية مع العسكريين فوصف إلغاء انتخابات 1991 بالعنف واتهم ضباطا دون أن يسميهم بالفساد، مما أدى إلى نشوب صراعات خفية بين الطرفين من مظاهرها استقالة قائد الأركان محمد العماري. غير أن العارفين بشؤون لعبة التوازنات داخل الحكم يدركون بأنه وقع في الأخير ضبط التوازن بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية التي يمثل قلبها وعقلها ومركز قوتها المؤسسة الأمنية العسكرية، حيث عرف كل طرف بأن محاولة تجاوز أي من الطرفين للطرف الآخر تكون كلفته عالية على كل الأصعدة فتقرَّر التعايش ولكن ضمن قاعدة "التوازن غير المستقر" الذي يبقى عرضة للطوارئ وعوائد الزمن.
·         تُظهر هذه التحولات بأن مكان تولية الحكم ودائرة اتخاذ القرار في النظام الجزائري هما في أعلى نقطة في هرم السلطة ويدار الحكم بشكل جماعي بين الضباط الكبار أصحاب النفوذ. ولكن إذا حصل أن تقلد منصب رئاسة الجمهورية رجل قوي تضطرب الأمور ثم تصير إلى إحدى السيناريوهات:
·         ـ تصبح الرئاسة والمؤسسة العسكرية في يد رجل واحد كما وقع مع هواري بومدين.
·         ـ يسيطر رئيس الجمهورية على الأمور ولكن لا يستطيع أن يفرض رؤيته وفق ما يريد كما حدث مع الشاذلي بن جديد.
·         ـ يقع الصدام وتنتهي الأمور بشكل دراماتيكي معلوم كما وقع مع بن بلة، أو غير مفهوم كما وقع مع محمد بوضياف.
·         ـ يقع توازن غير مستقر وتفاهم ضمني على التعايش بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية كما هو الحال إلى هذا اليوم.

الحركة الإسلامية: أزمة القيادة وإعادة التشكيل


لقد نشأ التيار الإسلامي في بداية القرن الماضي كمشروع إحياء وإصلاح وتجديد، ولم تكن الحركة الإسلامية في الجزائر سوى امتداد لهذا التيار العالمي تلتقي معه في الأسس والأهداف، وتتميز عنه في التاريخ والمسار، فأثرت في التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية الجزائرية، وصنعت صحوة كبيرة عرفت مجدها في منتصف الثمانينيات، وحينما بلغت أوج القوة وظهر للرائي قربها من التمكين تلكّأت واضطربت وبدت كأنها (حادت) عن سكة التوفيق ورواق النجاح، إنه من المبكر كثيرا أن نقول بأن الحركة الإسلامية في الجزائر قد ضيّعت الفرصة وصارت متأخرة عن الركب بعدم وصولها للحكم مثل شقيقاتها في الوطن العربي، أو أن نقول بأنها متقدمة عن مثيلاتها لا تزال تطارد الفرصة التي منحها لها دستور 1989، وأن كل ما حققته من إيجابيات وسلبيات منذ ذلك الوقت يصبّ في خبرتها وتجربتها ستتجاوز بها مخططات خصومها.
يس المحيط الخارجي، لا الوطني ولا الدولي، الذي تتطور فيه الحركة الإسلامية في بلادنا، هو الذي سيكون له فصل المقال في هذا المصير أو ذاك المآل، إنما الذي يفعل ذلك هو قدرة قياداتها على تقييم ذاتها وتاريخها، والوقوف على تجربتها والاعتراف بكل النقائص والشوائب، وتثمين كل التوفيقات والنجاحات مهما كان الفصيل الذي أوقعها أو الطرف الذي وقّعها، لا أريد في مقالي هذا أن أتحدث عن الإنجازات التي حققها الإسلاميون ولكن سأذكر الخسائر الكبرى التي نالت من مصداقيتهم وهدّدت فرصهم، ثم أذكر عناوين مشروع إعادة التشكيل بما يجعل الحركة الإسلامية تستعيد قوتها كما كانت مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في بداية التسعينيات، ولكن مع قدر واجب من الحكمة والتعقل، أو كما كانت مع الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله وجماعته في النصف الثاني من الثمانينيات ـ أو محاولة منتصف التسعينيات ـ ولكن مع قدر لازم من الجرأة     والصرامة  .
إن أكبر ما أصاب الحركة الإسلامية منذ نشوئها هو ما خسرته على صعيد طبقتها القيادية حيث إن جيل اللّبِنَات الأولى من مختلف الجماعات والتنظيمات وفي مختلف الجهات والولايات لم يبق منه إلا القليل، ولعلنا لا نجد في الألف من هؤلاء إلا واحدا لا يزال يواصل الطريق بطريقة أو بأخرى، في هذا الحزب أو ذاك، أو هذه الجمعية أو تلك، والأغلبية الساحقة ممن يشكل الهيئات القيادية في التيار الإسلامي اليوم هم من الجيل الثاني والثالث والرابع رغم ادعاءات السّبق لدى بعضهم ممن جاءت بهم ظروف الزمن للقيادة كمِظلِيين أُنْزِلوا في ساحة فارغة غاب فيها المؤسسون الحقيقيون لا تعرف أحياؤُهم وبلداتُهم لهم أثرا في النشأة الأولى، بل إن كثيرا من هذا الجيل لا يعرفون أسلافهم ولا تاريخ من سبقهم ولم يفلح الكثير منهم في المحافظة على المشروع الإسلامي كما استلموه ممن قبلهم ولم يقدروا على تطويره، فترى فيهم الجَلد في العمل التنظيمي و"الأكتفيزمالسياسي ولكنهم بلا إشعاعروحي ولا قوام سلوكي ولا زاد ثقافي ولا أذواق فنية ولا مبادرات إبداعية... إلا من رحمربك.
 إن الأسباب التي غيّبت جيل التأسيس وحرّفت الكثير ممن تصدر المشهد القيادي في الحركة الإسلامية كثيرة، منها الانخراط في مشاريع التطرف التي لم تبق ظهرا ولم تقطع أرضا، ومنها الإنهاك الذي تسببت فيه الملاحقات والمضايقات الأمنية، ومنها اليأس الذي صنعته الطريق الطويلة والمسالك الوعرة والأوضاع السياسية المعقدة والحالات الاجتماعية الهشة والاستعدادات التربوية الضعيفة، ومنها قلة الصبر وخيبات الأمل في تحقيق الأهداف المرجوة بسبب المسار الانتخابي المحرّف، ومنها ضرورات المواءمة بين الأبعاد المبدئية والإكراهات الواقعية، ومنها خسائر المصداقية على درب المشاركة السياسية، وإغراءات المجالس البلدية والولائية والنيابية والمواقع الإدارية والمقامات الحكومية، ومنها الصراع على المناصب القيادية والبهارج الإعلامية، والتنافس على السيطرة والتحكم في أعناق التابعين، ومنها الاستسلام لإرادة الطرف الرسمي والرضا بالتبعية للحاكم المتغلب لأغراض شخصيةأو جهوية أو لضعف في النفس أو ترهل في الفكر.
إن من أبرز النتائج التي تَسبّب فيها الضعف القيادي الإسلامي ظاهرة التشتت وشدة الصراع وغياب الرؤية العامة الشاملة الجامعة، وانشغال الذهن المنقبض بالعداوة عن القضايا الكبرى، وامتلاء النفس بمشاغل الأنا وهم الذات، وحين تعاظمت هذه الأدواء عرفها المتعاطفون مع المشروع الإسلامي فأصابهم الإحباط والانزواء بعيدا عن الفعل الإيجابي، ومنه الانتخابي، واطلع عليها خصوم التيار الإسلامي فصاروا يتوقعون تصرفات الإسلاميين، المغالبين منهم والمشاركين، فلا يجدون صعوبة في وضع المخططات التي تلهيهم وتورطهم وتشتتهم وتفقدهم الفاعلية والتأثير.
رغم هذا الحكم الشديد والتقييم القاسي بخصوص الطبقة القيادية ذات التوجه الإسلامي لا تزال الحظوظ قائمة والفرصة حاضرة ليحتل التيار الإسلامي مكانة الريادة في الجزائر؛ فالشعب الجزائري مسلم شديد الارتباط بقيمه مهما كانت درجة التزامه بشعائر دينه، دائم الاستعداد لمناصرة من يعرض له الإسلام كمشروع حضاري خادم للدين والدنيا بصدق وكفاءة، ولا تزال في صفوف التيار الإسلامي كفاءات وإبداعات وعبقريات وسمو أخلاقي وشهامة ومروءة، في النساء منهم والرجال، وخصوصا في شبابهم وطبقاتهم القيادية الوسطى والدنيا، كما أن طبقاتهم القيادية العليا في مختلف تنظيماتهم لا تزال تحتوي بقية باقية من ذوي المصداقية تكافح وتناضل بصبر واحتساب، كما أن طبقاتهم التي أصابها الدخن لها أصول خير قديمة قد تحدثها وتجذبها خصوصا مع التحولات الجارية التي تحرك ضمير من لا ضمير له.
إن أعظم ما يجب أن تقوم به القيادات الإسلامية لتظهر صدق يقظتها أن تتخلى عن مشاريعها وطموحاتها وأحلامها الشخصية، وأن تكون صادقة مع الله فلا تحدث الناس بما تعرف كذبه في نفسها، وأن تترك حكايات الزمن الخالي فتتسامح مع بعضها البعض فيما ما مضى، وتُولي وجهها شطر المستقبل لتُعيد تشكيل الحركة الإسلامية بما يجعلها تدرك ما أدركه أشقاؤها في البلدان العربية الأخرى، بل وتتفوق عليها بما تملكه من خبرة في بلد عرف أزمات عديدة رافقتها تجارب متنوعة لا نظير لها، وإني لأقترح على هؤلاء القادة الموقرين في هذا المضمار خطتين: الخطة الأولى عاجلة عنوانها وحدة الصف الانتخابي كحد أعلى وكف الأذى كحد أدنى، والثانية متوسطة وبعيدة المدى مهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، عناوينها الاندماج كحد أعلى بين من لا يفرقهم شيء في المنهج مهما اختلفت مسارات التاريخ، والتعاون كحد أدنى حول مشاريع مستقبلية كبرى.
ومن هذه المشاريع إعادة التأهيل القيادي والرهان في ذلك على الشباب، الفتيان منهم والفتيات، ليكونوا أفضل ممن سبقهم علما وسلوكا ومهارة وفاعلية، والفصل الوظيفي بين ما هو دعوي وما هو حزبي، لتستقل الدعوة عن هيمنة السياسة فتكون هي قلب المجتمع وهي صانعة الرأي العام بعلمائها، مفكريها، مربيها، شعرائها، أدبائها، منشديها، مغنييها، رسّاميها، مسارحها، أفلامها، مدارسها، جامعاتها، إعلامها، مراكزها الدراسية، وجمعياتها الخيرية والخدمية والدفعية، وأوقافها ومؤسساتها المالية بأنماط هيكلية شبكية لا هرمية، وليكون العمل الحزبي هو ناقل الفكر الإسلامي ليجعله قواعد ومناهج وقوانين في الاقتصاد، العدالة، الصحة، التعليم، الثقافة، وغيرها، وليكون الإصلاح مؤسسيا تقوم به لجان متخصصة تقابل كلُّ لجنة منها قطاعا وزاريا تُقوّمُه بالنصائح العلمية أو تخلعه سلميا بعرض البدائل القوية المقنعة للجماهير حينما تُتاح فرص الحرية لذلك، فإن غابت الحرية تجعل الحرية أوليتها تكافح من أجلها، فتفرضها بقوتها الهادئة على الحكام الظالمين، وتطبقها في هياكلها وترعاها بنفسها ولو على حسابها حينما تواتيها فرصة الحكم والشهادة على الناس.

Loading

تابعنا

Twitter Facebook Favorites