الفرص التي أضاعها الإسلاميون في الجزائر (6)

حينما أصبح الرأي العام داخل حركة مجتمع السلم أغلبه مع ترك التحالف مع جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي كان الوقت قد مضى ليكون هذا الموقف مفيدا بشكل مباشر وسريع لحركة مجتمع السلم، بل الكثير من الجزائريين اعتبروا هذا الموقف انتهازيا وكأن حركة مجتمع السلم غادرت الباخرة حينما اعتقدت بأنها ستغرق كما غرقت بواخر الأنظمة العرية الأخرى، فهي استفادت من النظام لما كان يمكن الاستفادة منه ثم غادرته لما أوشك على السقوط. ورغم تأكيدي بأن الخروج من التحالف كان متأخرا جداً فإن تفسير خروجها بهذه الانتهازية المشينة فيه ظلم كبير لأن من استفاد من وجود الحركة في الحكومة هو البلد في المجمل في بداياته، وخسرت به الحركة، أما على المستوى الشخصي فالمستفيدون في الحركة هم مجموعة أفراد بقوا حرصين على البقاء في التحالف ثم غادر أغلبهم الحركة في الانشقاق الأول ثم في الانشقاق الثاني. فالخروج من الحكومة لا علاقة له على الإطلاق بالحسابات السياسية ولكنها مرحلة من تاريخ الحركة كان لا بد أن تصل في يوم من الأيام ولو جاءت متأخرة، دفعت إليها الظروف واتخذ القرار بطريقة ديموقراطية بعد مخاض عسير أدى إلى انشقاق من لم يقبلوا القرار. وكانت الحركة بهذا القرار أمام خيارين سيئين اختارت أقلهما سوء : الأول أن تخرج من التحالف في هذه الظروف وتتهم بالانتهازية، أو تبقى في التحالف وتتحمل مسؤولية الإخفاق في الإصلاحات السياسية مع نظام الحكم من الناحية المبدئية أولا وما سيترتب عنه من مخاطر جسيمة ثانيا ستظهر آجلا أم عاجلا فاختارت أن تتخذ موقفا مبدئيا وتترك التاريخ وتطور الأحداث يحكم عليها. 
حينما وصلت الحركة إلى هذا الوضع الصعب كان عليها أن تجد مخرجا إبداعيا يحافظ على فرصها ويعوض خسائرها ويمكِّن لمنهجها ومشروعها فاختارت التكتل مع الإسلاميين لجمع شتات هذا التيار وإرجاع الثقة لمؤديه الذين لا يزالون يمثلون الأغلبية ولكنهم تركوا المشاركة في الانتخابات بالتدرج مع تأكد التزوير والتحايل في كل الاستحقاقات. كان بإمكان هذا التكتل الإسلامي أن يحدث هزة في نفوس المناصرين للتيار الإسلامي فتجتمع المقدرات الانتخابية لكل حزب من أحزابه وتتحرك القوى الفاترة وتتحمس النفوس اليائسة ويرجع الأمل وتُرمم الثقة فينشأ تيار إسلامي جارف يفرض على نظام الحكم مراجعة حساباته وقبول الحلول التي تفرزها الصناديق والدخول في حوار جاد يضمن المحافظة على الاستقرار ولا يهدد أي كان ويرد الحقوق الضائعة للجميع في ظروف دولية وإقليمية مساعدة على ذلك وبمراعاة التجربة الجزائرية المؤلمة. ولكن للأسف الشديد هذه الفرصة ضاعت كذلك ولم يظهر تكتل الجزائر الخضراء إلا كتجمع ثلاث أحزاب إسلامية لأغراض انتخابية لأن الرأي العام الإسلامي لم يفهم أسباب عدم اشتمال هذا التكتل على الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجبهة العدالة و التنمية التي يرأسها عبد الله جبالله وجبهة التغيير التي يرأسها عبد المجيد مناصرة. كان بإمكان هؤلاء أن يغيروا المعطيات رأسا على عقب لو اجتمعوا ولكن للأسف الشديد لم يفعلوا، أما الجبهة الإسلامية للإنقاذ فقد تم الاتصال بهم عدة مرات ووصلتنا منهم أخبار سارة في البداية ولكن هذا الأمل لم يتجسد حيث أخبروا في الأخير بأنهم غير معنيين بالانتخابات أصلا، وأما عبد الله جبالله فقد تم الاتصال به عدة مرات بطرق عدة فلم يظهر أي استجابة وكان يعتقد في تلك الانتخابات بأنه سيصنع المفاجأة، وأما جبهة التغيير فتم الاتصال بهم وطلبوا مهلة للتشاور بينهم وعقدت معهم اجتماعات ولكنهم في الأخير اشترطوا أن تخرج حركة مجتمع السلم من الحكومة وهم أكثر الناس علما بأن ذلك الشرط أسابيع قبيل الانتخابات كان شرطا تعجيزيا وهو كذلك شرط غير مفهوم لما يأتي منهم لأنهم كانوا من أكثر وأول المتمسكين بالوجود في الحكومة لما كانوا في الحركة. لم يكن المطلوب هو فحص قوة هذا الحزب أو ذاك لتحقيق التكتل ولكن المطلوب كان إرجاع الثقة للناخب الإسلامي على المستوى الشعبي وتحريكه للمشاركة في الانتخابات بشكل فاعل وموحد ولكن ذلك لم يتحق إذ لم تتحرك في الغالب سوى القوى النضالية للأحزاب الثلاثة ولم يتحرك التيار الإسلامي في مجمله فظهر الفرق الكبير في القوة والانتشار بين الأحزاب المتكتلة فتسبب ذلك في بعض الأزمات حيث لم تقبل كثير من القواعد، وبشكل أساسي قواعد حركة مجتمع السلم، حالة الضعف التي ظهر بها الشركاء.

عبد الرزاق مقري

0 commentaires:

إرسال تعليق

Loading

تابعنا

Twitter Facebook Favorites