الغاز الصخري - الشيست والاتفاقيات المشبوهة !



قرأت مقالا في مجلة فرنسية مشهورة (Le point) أغاضني كثيرا وجعلني أشعر بكثير من الغضب

(أنظر الرابط في الأسفل )

يتحدث المقال عن معلومات خفية بخصوص الاتفاقيات التي أبرمها هولند مع المسؤولين الجزائريين بخصوص الغاز الصخري سربها لهم وزير الخارجية الفرنسي. يتحدث هذا المقال عن الصعوبات الكبيرة التي تجدها الحكومة الفرنسية في القيام ببحوث تتعلق بالغاز الصخري ( غاز الشيست) في ترابها ( أمام معارضة شركائها الأيكولوجيين والرأي العام الفرنسي) لأن هذه البحوث ستؤدي إلى استغلال فعلي لهذا الغاز مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الإنسان والبيئة في فرنسا وعليه فإن هذه البحوث ستكون على الأرض الجزائرية حيث لا يُعتقد أن الجزائريين سيتذمرون أو ينزعجون من هذا ـ كما يقول صاحب المقال ـ ؟ ! أي أننا نحن الجزائريين حيوانات تُقام علينا أسوء أنواع التجارب ولا نحس ولا نشعر ولا نحتج عكس الفرنسيين الذين منعوا شركاتهم من ذلك. يا للعار... يا للعار... يا للعار.


وللعلم فإن فرنسا ستقوم بهذه الأبحاث بأموال الجزائر كما تنصص عليه الاتفاقية، أي أن الفرنسيين يُمكن أن يصلوا إلى نتائج علمية بالتجربة على حساب صحة الجزائريين وبيئتهم وحينما يصلون إلى النتائج التي يريدونها يذهبون لبلادهم لاستغلال هذا الغاز بلا مخاطر بيئية، هكذا يقول الفرنسيون، وهكذا يضحكون علينا، وحينما تستمع إليهم وهم يقولون هذا تكاد تنفجر من الغضب على حكامنا الذين لا تهمهم إلا الحلول السهلة التي يحافظون بها على استمرارهم في الحكم على حساب الجزائر وأهلها.

نحن لسنا في حاجة الى الغاز الصخري لأن لدينا الغاز الطبيعي، هكذا يقول المتخصصون.
وإذا كان المسؤولون يعرفون بأن هذا الغاز سيتراجع إنتاجه على المدى المتوسط ـ كما نبهنا لذلك مرارا ـ فكان عليهم أن يضعوا رؤية اقتصادية تمكنهم من استعمال أموال البترول والغاز للاستثمار في الصناعة والفلاحة والخدمات والبحث العلمي وتشجيع الإبداع والعمل الجاد الذي لا تضمنه الا الحرية ، حتى تصبح لدينا قيم مضافة خارج المحروقات بدل تبديد أموال هذه الأموال وسرقتها وإنفاقها على شراء الذمم و"بوقلة" و تبليد العقول وإلهاء الشباب وتسكين التوترات الاجتماعية بحلول سطحية لا تثبت على المدى المتوسط والبعيد.

بالإضافة إلى هذا لن يكون هذا الغاز الصخري ريعا ثمينا في الجزائر بل سيكون طاقة تُستعمل لاحتياجات الجزائريين الداخلية فقط لأن سعره في الأسواق الدولية سيكون رخيصا جدا إذ حينما يُتوصل لطرق استغلاله ضمن الشروط البيئية ( التي تريد فرنسا الوصول إليها على حسابنا) ستستعمله الدول المتقدمة التي تتوفر كلها على مخزون كبير منه، ومنها فرنسا بالذات التي تتوفر على مخزون يكفيها لقرن كامل.

استعملت فرنسا أرض الجزائر لتجاربها النووية وأصبحت بذلك قوة نووية على حسابنا وحساب الآلاف من القتلى و المرضى والمشوهين غير أننا لم نكن نقدر على منعها لأننا كنا تحت الاستعمار، واليوم تستعملنا فرنسا لتجاربها في استغلال الغاز الصخري على حساب صحتنا وبيئتنا وبموافقة من مسؤولينا ويتم عقد الاتفاقات تحت العلم الجزائري وبالأختام الجزائرية وبالمال الجزائري..


الرابط : أنقر هنا
عبد الرزاق مقري.

نحو خدمة علم السنن الاجتماعية - الحلقة التاسعة - الأخيرة



قال الله تعالى: (( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140)) سورة آل عمران، حزب 7 الآيات 137- 140

تتحدث هذه الآيات عن شأن عظيم من شؤون الاجتماع البشري وعلاقة أهل الإيمان به، وفيها تبيين لقواعد جارية في حياة البشر، وسنن ماضية في تطور الأفراد والمنظمات والمجتمعات والدول والحضارات، لا تتغير ولا تتبدل، مثلها مثل قواعد الفيزياء والرياضيات والبيولوجية والفلك وغيرها التي تتشكل على أساسها الحياة.
و بفضل الله وفقت في انجاز بحث حول هذه الآيات أعرضه ضمن حلقات متتابعة مواصلة لسلسلة التأملات في القرآن الكريم التي كنا قد بدأناها قبل أشهر


ـ >> نحو خدمة علم السنن :


يمكننا في الأخير أن نقترح تعريفا لعلم السنن نستفز به الساحة العلمية والفكرية ولعل النقاش يصل يوما ما إلى تعريف أكثر تأصيلا وأكثر دقة فنقول إن علم السنن هو "العلم الذي يهتم بدراسة أثر معتقدات الإنسان وتصرفاته على الحياة البشرية والكونية" فهو العلم الذي يدرس حالة الإنسان من حيث معتقداته وتصرفاته لأن الله حينما أمر بالسير في الأرض أمر أن ننظر إلى معتقد الفئة المكذبة وهو أمر يستصحب معه الأمر بالنظر في مصير المصدقين، وأن المهم في دراسة حالة هؤلاء المكذبين أو المصدقين هو النظر في تصرفاتهم إذ أنهم لو كذبوا ولم يتصرفوا بمقتضى تكذيبهم أو تصديقهم لما كانوا موضوع دراسة وتأمل. وأن موضوع الدراسة يشمل آثار هذه التصرفات على المحيط الذي يعيش فيه الإنسان المتصرف سواء ما تعلق بالحياة البشرية أم الكونية. وهذا يقتضي كذلك دراسة متناسقة لحياة الإنسان وحياة الكون بكل تفاصيلها للوصول من خلال هذا العلم إلى اكتشاف نظريات وقواعد تمكن من استشراف التطورات المستقبلية للحياة البشرية والآثار الكونية التي تنجم عن تصرفات الإنسان في أي زمن من الأزمنة.

وللوصول إلى هذه الحالة العلمية المتقدمة لا بد من تكوين العلماء الذين يتخصصون في هذه الدراسات ويتحكمون في مختلف العلوم والأدوات التي تتعلق بها. وللوصول إلى هذا المبتغى لا بد أولا من بلورة منهج علمي يحدد الاختصاصات المتعلقة بهذا العلم وطرائق تدريسها والنظم الإدارية المختلفة وسنوات التدريس التي تكون طويلة باعتبار كثافة المواد المتوقعة في المنهاج. وكل هذا يتطلب تأسيس أكاديمية متخصصة ترتبط بشبكة من مراكز الأبحاث ومجامع التأليف لا تقل مدة عملها عن خمس سنوات وحينما ينضج المشروع بكل تفاصيله يُعمد إلى تأسيس مسار تعليمي يبدأ بكلية تجريبية ثم تتطور المؤسسات التعليمية التي تخدم هذا العلم وتطوره إلى أن يصل المسار إلى مستويات دقيقة في الاختصاص. ومن خلال ما اتضح لنا من مصادر هذا العلم في الفقرات السابقة يمكن تحديد مواده الأولية وفق ما يلي:

- الشريعة الإسلامية، خصوصا أصول الفقه وعلم المقاصد.
- القرآن الكريم: علوم القرآن، التفسير خصوصا آيات السنن، القصص القرآني، الأمثلة القرآنية...
- اللغة العربية.
- اللغات الأخرى.
- علم الاجتماع
- الأنثربولوجيا وعلم الآثار.
- الفنون والآداب في مختلف الحضارات والأمم.
- مداخل العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى.
- تاريخ الأمم والحضارات وتراجم القادة الذين لهم علاقة بالتحولات التاريخية الكبرى.
- مداخل علوم الطبيعة (علم الأحياء، الفيزياء، الكيمياء، علم الأرض، علم الجو، الفلك، المحيطات والبحار، علم المادة).

ولأهمية هذا العلم وتشعب مواده واتساع مجاله لا بد من أن يُختار له أنجب الطلبة وأنجحهم وأن تُستعمل معهم وسائل التعليم العصرية التي تعتمد على التفاعل والدراسات الميدانية والأسفار العلمية والأبحاث الموضوعية والاحتكاك المباشر بالشخصيات والدوائر العلمية من مختلف الثقافات والحضارات وتشجيع المجهود الفردي كما لا بد من استعمال الأدوات التحفيزية المادية والمعنوية التي تخفف أعباء طلب هذا العلم وخدمته. ومن أهم وسائل التحفيز تخصيص منح مشجعة يرتفع قدرها مع مرور السنوات وبقدر مستويات النجاح، وأن يكون التعليم وفق عقود تضمن للمتخرجين وظائف مدعومة من الحكومات لخمس سنوات بعد التخرج إلى أن ينشأ سوق حر لهذا المجال مع مرور الزمن، وغالبا ما تكون وظائف هذا الاختصاص في مراكز الدراسات ودور النشر والهيئات الاستشارية الحكومية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وفي مجال التربية والتعليم وغير ذلك. وباعتبار ارتفاع كلفة هذا المشروع الحضاري وعدم مردوديته المادية في البداية لا بد أن تتكفل به الحكومات وأن تساهم فيه المجتمعات من خلال شبكات الأوقاف.

لا شك أن القناعات الرسمية بتنشئة هذا العلم لن تأتي طفرة واحدة فلا بد أن تنهض له قبل ذلك همم المفكرين والعلماء المقتنعين به من خلال كتابة المقالات وتأليف الكتب وتنظيم الندوات والملتقيات والمؤتمرات وتأسيس الجمعيات والمراكز التي تخدمه بالمستوى الذي تقدر عليه حتى تظهر منفعته وتبدو بعض ثماره وحينما تتغير الظروف السياسية والثقافية و المجتمعية في العالم العربي والإسلامي، وهو أمر لا محالة قادم بإذن الله، تكون الفكرة أكثر وضوحا وأعمق نضجا.
والله الهادي إلى سواء السبيل



تم بحمد الله - الجمعة 04/01/2013

نحو خدمة علم السنن الاجتماعية - الحلقة الثامنة





قال الله تعالى: (( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140)) سورة آل عمران، حزب 7 الآيات 137- 140

تتحدث هذه الآيات عن شأن عظيم من شؤون الاجتماع البشري وعلاقة أهل الإيمان به، وفيها تبيين لقواعد جارية في حياة البشر، وسنن ماضية في تطور الأفراد والمنظمات والمجتمعات والدول والحضارات، لا تتغير ولا تتبدل، مثلها مثل قواعد الفيزياء والرياضيات والبيولوجية والفلك وغيرها التي تتشكل على أساسها الحياة.
و بفضل الله وفقت في انجاز بحث حول هذه الآيات أعرضه ضمن حلقات متتابعة مواصلة لسلسلة التأملات في القرآن الكريم التي كنا قد بدأناها قبل أشهر


ـ >>مصادر علوم السنن - تابع - :

ويعتبر التاريخ ودراسته من أعظم مصادر فهم السنن والاستفادة منها فهو مقصود كذلك بالسير في الأرض كما يقول محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: "وفي الآية دلالة على أهمية علم التاريخ لأن فيه فائدة السير في الأرض، وهي معرفة أخبار الأوائل، وأسباب صلاح الأمم وفسادها. قال ابن عرفة: السير في الأرض حسي ومعنوي، والمعنوي هو النظر في كتب التاريخ بحيث يحصل للناظر العلم بأحوال الأمم، وما يقرب من العلم، وقد يحصل به من العلم ما لا يحصل بالسير في الأرض لعجز الإنسان وقصوره"، فهو التجربة العملية للإنسان بنجاحاتها وإخفاقاتها، والمدونة الكبرى لحقائق الدول والحضارات وصعودها وسقوطها، والصورة الواقعية العاكسة للمجتمعات وطباعها وثقافاتها وعلاقاتها، وهو مجال الدراسة العلمية والمخبر الكبير لجمع قصص الصراع بين الحق والباطل، ونهايات هذا الصراع في كل قصة، ومتى ينتصر الباطل ومتى ينتصر الحق وكيف ينتصر هذا أو ذاك، وما تبعات انتصار الباطل أو تبعات انتصار الحق على الحياة الاجتماعية وأحوال الناس والمحيط في هذه المرحلة أو تلك، وما علاقة الدين وما دور المصلحين في هذه الحقبة الزمنية وتلك، وكيف يمكن ربط كل وقائع التاريخ بقوله سبحانه وتعالى: ((فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)). مع التأكيد على دراسة تاريخ المسلمين وفهم أسباب نهوضهم وسقوطهم في كل مرحلة من مراحل تاريخهم وفي كل بقعة من بقاع الأرض مع التدقيق الشديد على علاقة ذلك بالتزامهم بدينهم وآثار التصديق بكتابهم الذي يعلنونه، وآثار التكذيب ومستوياته الذي يُرى في تصرفاتهم.

كما أن السير في الأرض يقتضي السفر إلى كل أنحاء الأرض وزيارة مختلف الديار والتعرف على مختلف الأجناس، ومتابعة طرائق حياتهم، والتأمل في ثقافاتهم وعاداتهم وأبعادهم النفسية والسلوكية، والوقوف على إنجازاتهم الحضارية وإبداعاتهم العمرانية وآثارهم التاريخية - فـ"لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها" كما يقول الزمخشري في تفسيره - والعلم بأحوالهم المعيشية وأفراحهم وأتراحهم وأوقات سعادتهم وهنائهم وأوقات حزنهم وبؤسهم، وفهم أسباب تقدمهم وتأخرهم، والبحث في آثار الديانات والمعتقدات في حياتهم. وربط ذلك كله بقوله تعالى: ((فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين))، ولا يستثنى من هذا التجوال والبحث والدراسة في عالم المسلمين، فلا بد من البحث في كل زاوية من زوايا بلدانهم، وفي كل زاوية من زوايا اجتماعهم وسلوكهم ونفسياتهم وعلاقة دينهم بحياتهم، مع الحرص على الدراسات المقارنة بينهم وبين المكذبين، وبين بعضهم بعضا. وهذا يدل بكل تأكيد على حاجة الدراسة في السنن الاجتماعية إلى مختلف العلوم الاجتماعية كعلم الاجتماع نفسه، وعلم النفس، وعلوم الديانات والعمران واللغات ومذكرات الرحالة في كل زمن وغير ذلك.

ومن مصادر دراسة السنن التمعن في حياة المخلوقات الأخرى غير الإنسان في الأرض، في البر والبحر والجو، لأن السير المطلوب هو - كما أسلفنا - في الأرض وليس على الأرض وهو "يقتضي البحث في علوم الكائنات الموجودة في مختلف أجزاء الأرض" كما يقول محمد عبده "لمعرفة سنن الله وحكمته وآياته الكثيرة فيها الدالة على علمه وحكمته ومشيئته وقدرته وفضله ورحمته ولأجل الاستفادة منها على أكمل الوجوه التي ترتقي بها الأمة في معاشها وسيادتها". وكما يقول فخر الدين في التفسير الكبير: "وفي هذه الآية دلالة على جواز السفر في فجاج الأرض، للاعتبار ونظر ما حوت من عجائب مخلوقات الله تعالى". فالله الذي ضرب لنا الأمثال بالنحل والنمل والذباب والبعوضة والريح والشجر والجبال والأنهار والهواء يريد أن يلفت انتباهنا إلى هذه المخلوقات حتى نتأمل في خلقها ونستفيد من نظامها وقوانينها وعلاقتها بالإنسان نفعا وضررا. فقد يكون الإنسان سببا في اضطراب التوازن البيئي حينما يكون مكذبا بالله لا يشعر بالأمانة والمسؤولية تجاه الطبيعة فيستنزف خيراتها ومواردها ويعبث بها فيكون سببا في دمار نفسه ونوعه بتدمير الأنواع الأخرى. وما يحدث اليوم من تدمير منهجي للبيئة البرية والبحرية وطبقات الهواء والمخلوقات التي تعيش فيها يمثل خطرا كبيرا على عاقبة الإنسان المعاصر والأرض التي يعيش فيها إن استمر المكذبون في السيطرة على هذه الأرض، وفي هذا إعجاز عظيم في قوله تعالى: ((قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)). ولمعرفة هذه المخاطر فلا بد من السير في الأرض لدراسة وضعيتها ووضعية سائر مخلوقاتها والتطور الذي يحصل فيها في كل لحظة بطرق منهجية علمية. وهذا التحدي يدلنا على حاجة دارسي السنن لعلماء الطبيعة والبيئة وتكامل العلوم في فهم ودراسة منظومة السنن. كما أنه يجدر بنا هنا أن نربط بين هاتين العبادتين الكبيرتين وهما التفكر في المخلوقات والنظر في السنن، فالتفكر في مخلوقات الله ينفع في معرفة الله والتقرب إليه وينفع كذلك في معرفة سنن الخلق والاستفادة منها وفي كل الأحوال يمكن اعتبار السير مجازا عن التفكير كما قال الأندلسي في تفسيره البحر المحيط.

ومن مصادر دراسة السنن كذلك دراسة أدب الأمم والشعوب المختلفة من شعر وروايات مشهورة وأمثال شعبية شائعة ومسرح وغير ذلك من الفنون والآثار فكل هذه الأعمال صورة عاكسة لحقيقة الشعوب ومستوياتها العلمية والفنية والأخلاقية، وعلاقاتها ببعضها البعض ونظرتها للشعوب الأخرى ولماضيها ومستقبلها. ولا بد من التدقيق في علاقة هذه المنجزات الأدبية بالأخلاق والمعتقدات، وعلاقة النهوض والسقوط بنوعية هذه الأعمال أثناء الصعود وأثناء السقوط.



ـ ||>>> يتبع ...

نحو خدمة علم السنن الاجتماعية - الحلقة السابعة



قال الله تعالى: (( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140)) سورة آل عمران، حزب 7 الآيات 137- 140

تتحدث هذه الآيات عن شأن عظيم من شؤون الاجتماع البشري وعلاقة أهل الإيمان به، وفيها تبيين لقواعد جارية في حياة البشر، وسنن ماضية في تطور الأفراد والمنظمات والمجتمعات والدول والحضارات، لا تتغير ولا تتبدل، مثلها مثل قواعد الفيزياء والرياضيات والبيولوجية والفلك وغيرها التي تتشكل على أساسها الحياة.
و بفضل الله وفقت في انجاز بحث حول هذه الآيات أعرضه ضمن حلقات متتابعة مواصلة لسلسلة التأملات في القرآن الكريم التي كنا قد بدأناها قبل أشهر


ـ >>مصادر علوم السنن :


حينما يتناول المفسرون قوله تعالى: ((هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)) يتفقون في المجمل بأن الخطاب موجه للناس جميعا مؤمنهم وكافرهم، ولكن الذين يهتدون به ويتعظون به هم المتقون. ويفصل محمد الشوكاني هذا في تفسيره فتح القدير فيقول: ((قوله: وهدى وموعظة أي: هذا النظر مع كونه بيانا فيه هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين، فعطف الهدى والموعظة على البيان يدل على التغاير ولو باعتبار المتعلق، وبيانه أن اللام في الناس إن كانت للعهد فالبيان للمكذبين والهدى والموعظة للمؤمنين، وإن كانت للجنس فالبيان لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم، والهدى والموعظة للمتقين وحدهم)). وفي هذا حكمتان كبيرتان: الأولى أن البيان - الذي يفيد معنى الإعلان والإخبار - بأن الأرض خلقت على سنن ثابتة وقوانين راسخة هو إخبار لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم، وقد يستفيد من الإعلان والإخبار الكافر فينتبه إلى وجود هذه السنن والقوانين فيكتشفها ويسخرها ويستفيد منها غير أن استفادته جزئية وقد يكون الضرر بها عليه أكبر، فقد يغتر بها وتفتنه عن معرفة ربه وشكره وقد يستعملها للظلم والعدوان كما هو حال كثير من الطغاة الأذكياء الأقوياء عبر التاريخ. وفي هذا العصر بالذات حيث قدرت الأمم المتقدمة على تسخير علمها بالآيات الكونية والسنن الاجتماعية لظلم غيرها. ومهما يكن من أمر فإن هذه السنن ذاتها ستقضي عليها وتفنيها. وأما الحكمة الثانية، فإن هذا البيان العام إذا تلقفه المؤمنون المتقون، وانتبهوا من خلاله إلى ما يرشدهم إليهم خالقهم من سنن وقوانين وبذلوا جهدهم للتحكم فيها والاستفادة منها فإنها ستكون سببا لهدايتهم واتعاظهم بغيرهم وقربهم إلى ربهم لما يرون من تطورات كونية تعود كلها إلى الله وفعله وفق سنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وسيكون فهمهم لهذه السنن أعلى وأشمل وأدق وأوسع وأحكم من فهم الكافرين لها. وسيكون إدراكهم لها والاستفادة منها أسرع من إدراك الكافرين لها واستفادتهم منها، كما كان حال الجيل الأول من المسلمين الذين فتحوا العالم من حولهم في ربع قرن وصنعوا حضارة كبرى في أوقات قياسية غير مسبوقة في تاريخ الحضارات. إن هذا العلم هو علم المؤمنين قبل غيرهم، لا يجاريهم غيرهم فيه إذا اهتموا به، لأنهم يملكون ما لا يملكه غيرهم من مفاتيح هذا العلم المودعة في كتاب الله الذي يقرؤونه ويؤمنون به ويهتدون به ويتعظون به.

يبين الله تعالى في هذه الآية مصادر معرفة السنن ومفاتيح هذا العلم فيؤكد بأنها في الأرض (وليس على الأرض) وقوله في الأرض تشمل الأرض كلها، ما على سطحها وجوفها وبحرها وهوائها ما دون أعلى طبقات الغلاف الجوي الذي هو جزء من الأرض. والسير في الأرض يشمل كذلك حاضرها وماضيها فسياق الآية يدل على ذلك حين يقول الله: ((كيف كان عاقبة المكذبين))، وبهذا يتضح المجال الواسع للسير في الأرض ومحدودية الإنسان في ما يمكن أن يدركه من علوم الأرض وتاريخها وأحوال أهلها وأهمية تراكمية العلوم جيلا بعد جيل.


ولو أردنا أن نتعرف على مصادر علوم السنن من هدي هذه الآية ومثيلاتها فستكون الآيات التي تتحدث عن السنن هي أول ما يُهتم به وآيات القصص هي أولها وأساسها ومنهجها حيث إن الله تحدث عن عاقبة المكذبين مباشرة بعدما أمر بالنظر إلى معرفة السنن. والقصص القرآني ثلاثة أنواع ففيه القصص الذي يتحدث عن الأنبياء ودعوتهم ومناوئيهم ومصائر قومهم، وقصص أقوام آخرين في أزمنة غابرة كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وطالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت، ومريم، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل، ونحوهم، وقصص يتعلق بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والحوادث التي وقعت في زمنه كغزوة بدر وأحد وحنين وتبوك والأحزاب، والهجرة، والإسراء. وفي كل هذه القصص عبر وعظات جليلة كما يقول الله تعالى عن قصة سيدنا يوسف: ((لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)). كما أن الله تعالى يؤكد بأن هذه القصص هي أحسن ما يمكن أن يصل إلى مسامع الناس من أخبار لما فيها من ذكر وعبر وحقائق ثابتة مطلقا وفق قوله تعالى في نفس السورة: ((نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين)).

وبالإضافة إلى القصص هناك الأمثلة القرآنية المليئة بالحكم التي يضربها الله للناس لهدايتهم وتقويم سلوكهم كمثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، والمشرك والمؤمن، والذي ينفق والذي لا ينفق، والذي يغتاب ويتجسس، والأمثلة التي يضربها بالمخلوقات كالريح والطير والنمل والنحل والشجرة وغير ذلك، ومن أحسن ما كتب في هذا الموضوع كتاب "الأمثال في القرآن" لابن قيم الجوزية.

ويمكن اعتبار الأحكام والشرائع التي وردت في كتاب الله مصدرا من مصادر فهم السنن لأن الله تعالى حين يقول: ((فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)) يبين بأن سبب هلاك الأمم هو معصية الله تعالى فيدعو هذا للتأمل في الأحكام وأثرها على مصائر الناس في الدنيا حيث إن مصير العصيان في الآخرة معروف. فيجب لهذا الأمر تصنيف الأحكام وفق رؤية السنن، والبحث في أكثر الطاعات تثبيتا للنهوض والرقي والازدهار وأكثر المعاصي إضرارا بالاستقرار المجتمعي والتطور والرفاه، مع البحث في علاقة الأخلاق والسلوك بالمعتقد، ومدى تأثير انتشار السلوك السيئ والأخلاق الرديئة في بيئة المسلمين، ومدى تأثر البيئة المكذبة بانتشار الأخلاق الفاضلة والتصرفات الجيدة. وأيهما أدعى للنجاح في الدنيا المعتقد أم الأخلاق إذا تفرقا، وما مدى ثبات الأخلاق الجيدة في البيئة المكذبة، وما مدى ثبات التوحيد والمعتقد الصحيح في البيئة الفاسدة أخلاقيا. وفي هذا يورد الطاهر بن عاشور كلاما معبرا في تفسيره لهذه الآية فيقول: ((البيان: الإيضاح وكشف الحقائق الواقعة. والهدى: الإرشاد إلى ما فيه خير الناس في الحال والاستقبال. والموعظة: التحذير والتخويف. فإن جعلت الإشارة إلى مضمون قوله ((قد خلت من قبلكم سنن)) فإنها بيان لما غفلوا عنه من عدم التلازم بين النصر وحسن العاقبة، ولا بين الهزيمة وسوء العاقبة، وهي هدى لهم لينتزعوا المسببات من أسبابها، فإن سبب النجاح حقا هو الصلاح والاستقامة، وهي موعظة لهم ليحذروا الفساد ولا يغتروا كما اغترت عاد إذ قالوا ((من أشد منا قوة)) وهذا القول مفيد حقا في بحث تلازم ظهور المكذبين بالرسالة المحمدية في هذا الزمن بمعنى النجاح وهل ما هم عليه وما أوصلوا البشرية إليه عاقبة ناجحة أم لا؟



ـ ||>>> يتبع ...

نحو خدمة علم السنن الاجتماعية - الحلقة السادسة




قال الله تعالى: (( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140)) سورة آل عمران، حزب 7 الآيات 137- 140

تتحدث هذه الآيات عن شأن عظيم من شؤون الاجتماع البشري وعلاقة أهل الإيمان به، وفيها تبيين لقواعد جارية في حياة البشر، وسنن ماضية في تطور الأفراد والمنظمات والمجتمعات والدول والحضارات، لا تتغير ولا تتبدل، مثلها مثل قواعد الفيزياء والرياضيات والبيولوجية والفلك وغيرها التي تتشكل على أساسها الحياة.
و بفضل الله وفقت في انجاز بحث حول هذه الآيات أعرضه ضمن حلقات متتابعة مواصلة لسلسلة التأملات في القرآن الكريم التي كنا قد بدأناها قبل أشهر



ـ >> أهمية دراسة علم السنن الاجتماعية -تكملة- :


لا شك "أن غير المسلمين أكثر سيرا في الأرض منهم وأشد استنباطا لسنن الاجتماع وأعرق منهم في الاعتبار بما أصاب الأولين والاتعاظ بجهل المعاصرين" كما يرى محمد عبده وفق ما نقل عنه رشيد رضا في المنار، فهم كما يقول: "قد أفادوا بما كتبه ابن خلدون في علم السنن وبنوا عليه ووسعوه فكان من العلوم التي سادوا بها على المسلمين الذين لم يفيدوا منه كما يجب". غير أن استدراك المسلمين لما فاتهم ممكن بل هم أقدر من غيرهم على بناء منظومة علمية أثبت وأصح باعتبار أنه بين أيديهم أهم مصدر من مصادر فهم علوم السنن وهو كتاب الله تعالى. ولكن الأمر يتطلب عزما من العلماء والمفكرين وجهدا علميا مضنيا، ودعما من الساسة والحكام أو على الأقل من الأغنياء والميسورين إذ لا يتصور قيام نهضة دون دعم مالي، فالنهضة الأوربية التي كانت تتبلور في العديد من المدن الأوربية عرفت ازدهارا أكبر في إيطاليا لأنها وجدت دعما ماليا كبيرا من أسرة ميديشي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ومن إيطاليا انتقلت إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا وإنكلترا. فالجهد المطلوب في إحياء علوم السنن يتطلب عملا جماعيا إذ "من الصعب جدا للفقيه الفردي أن يكون فقيها في السنن الإلهية" كما يؤكد طه جابر العلواني فنحن كما يقول: "نحتاج إلى مجامع علمية لأن هذه المناهج والطرق التي اتبعتها الأمم بهداية الأنبياء أو باختيارات عقلائها وقادتها وحكوماتها وحكمائها في بناء ذواتها وإقامة حضاراتها تعتمد على قوانين كثيرة جدا من العلوم التي يصعب على فرد أو أفراد قلائل أن يلموا بها لأنها علوم منتشرة بين العلوم الطبيعية وعلوم العمران والاجتماع والتاريخ التي هي العلوم الاجتماعية والعلوم السلوكية والتي هي مختلف العلوم الإنسانية والعلوم الفقهية والقانونية وعلوم الوسائل المتعلقة بها."


فالأمر يتطلب عملا مؤسسيا متواصلا ومتراكما يكون أساسه جهد واجتهاد العلماء والباحثين من مختلف التخصصات بواسطة مقالاتهم وبحوثهم وتأملاتهم وأطروحاتهم الجامعية وأعمالهم المخبرية ومؤتمراتهم ومجامعهم ومنتدياتهم الحوارية بل إن هذا العلم يحتاج حتى خبرة وتجربة العقال من الأميين العارفين بأحوال الحياة والمجتمع بالمشاهدة. فالقوم الأُول الذين توجه إليهم الخطاب بقوله تعالى ((سيروا)) كانوا أميين. وفي هذا يقول الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: "وإنما أمر الله بالسير في الأرض دون مطالعة الكتب لأن في المخاطبين من كانوا أميين، ولأن المشاهدة تفيد من لم يقرأ". ولكن هذا المشروع العلمي الكبير لا ينجح بالعلماء وحدهم فلا بد من تضافر جهود متنوعة أخرى من الإداريين والتقنيين والمترجمين والإعلاميين ورجال السياسة والمال والأعمال وغيرهم على أن يكون العمل مبنيا على التخطيط والرؤى بعيدة المدى ودراسات الحالات من التاريخ أو من الواقع المعيش، وأن يتوفر لهذا المجهود مسالك للوصول إلى ما حققته البشرية في علوم السنن في مختلف الحضارات والثقافات والبلدان، وأن يتوفر مراجع مكتبية ومرجعيات علمية تنال القبول في الأمة بكثرة الانشغال بهذا العمل وبما تحققه من إنجازات علمية تؤدي دور التوجيه العام لمختلف المؤسسات الحكومية والمجتمعية التي تخدم هذا العلم بشكل حر وتلقائي وتكاملي، يُنفق عليه بميزانيات الحكومات وبموارد الأوقاف التي تحبس لهذا العمل الحضاري الجليل.



ـ ||>>> يتبع ...

الوسطية في السياسة (2)



((وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) البقرة 143

نسمي شق التطرف الموالي للنظام بلا فكر ولا رؤية : شق التطرف أ
ونسمي شق التطرف المعارض للنظام بلا فكر ولا رؤية: شق التطرف ب


ثانيا: حديثنا هذه المرة لشق التطرف أ: من عيوب هذا النوع من الموالين أنهم لا يعرفون الفرق بين الدولة والنظام فبالنسبة إليهم كل من يعارض نظام الحكم هو ضد الدولة الجزائرية وضد مؤسسة الجيش الوطني الشعبي وبالتالي هو خائن وغير وطني وربما عميل لقوى أجنبية، وهي حيلة يستعملها المستبدون منذ زمن طويل للهيمنة على الحكم والتفرد بالسلطة وقمع المخالفين إلى الأبد، ويستعملون في ذلك أجهزتهم الأمنية وإعلامهم التابع و"المستقل !" ويستخدمون المنتفعين والمتزلفين والسذج والجبناء والأغبياء من السكان.

استعملت هذه الحيلة في بداية التسعينيات حينما اهتزت أركان الوطن ودخل في فتنة عظيمة وأصبحت الدماء تسيل في الطرقات والرؤوس تعلق على الأعمدة فوقف كثير من الوطنيين الصادقين مع الوطن ومع مؤسسات الدولة ولم ينتبهوا (أو ربما لم يكن لهم خيار) بأن النظام الذي يسكن الدولة كان يستغل الأحداث ويستغلهم ويستغل الوطن. وفعلا حينما انجلت الفتنة انجلت على وضع سياسي متعفن تحكّم فيه النافذون في السلطة على مقدرات الوطن وجعلوا الفساد وبناء شبكاته المالية هو قاعدة الحكم.

هذه المرة لن تنطلي الحيلة، الخطر اليوم هو الفساد ولوبيات المال الوسخ وليس الإرهاب. لقد صار الإرهاب أداة تستعمله كل أجهزة الاستخبارات العالمية، ولا يخفى على من يملك الحد الأدنى من الثقافة السياسية بأنه حيث يوجد البترول والغاز توجد القاعدة وغيرها من المجموعات المسلحة وحيث توجد القاعدة وغيرها من المجموعات المسلحة يوجد البترول والغاز، وكل تلك الصور للملتحين ولأشكالهم ولباسهم ولخطابهم الديني مما يصور لنا في قنوات التلفزيون لا تقنعنا في شيء حتى وإن كان بعض أصحابها حقيقيين. 

وبغض النظر عن خلفيات وأبعاد الحرب على مالي والعدوان على محطة الغاز في عين أم الناس التي سنكتب فيها مقالا يوضح الأمر، نحن نقف مع جنودنا في المؤسسة العسكرية الجزائرية ونفتخر بقوة الجيش الجزائري الذي نعرف أهميته وقوته أكثر مما يعرفه المتزلفون، ولكن نحن نعترض على من يضعف مصداقيته باستعماله في المنافسة السياسية في زمن الانتخابات ومن يريد اليوم توريطه في حرب تزتنزفه وتزتنزف مقدرات الوطن بلا فائدة ولصالح الأطماع الأجنبية ولمصلحة مجموعات مصالح جزائرية.

والحديث السياسي الذي يجب التركيز عليه ليس فقط الإنجاز الذي حققه الجيش الوطني الشعبي بتحرير الرهائن مع الإلحاح الشديد على الشفافية في تناول الموضوع وإظهار الحقائق كما وقعت والسماح للإعلاميين للوصول للمعلومة وفق المعايير الديمقراطية الحقة، ولكن كذلك وخصوصا كيف تم الاختراق؟ وكيف مرت هذه المجموعات الإرهابية؟ وكيف مررت السلاح؟ وكيف استطاعت أخذ كل هؤلاء الرهائن؟ ولماذا لم يحاسب أحد على هذا؟ هذا هو معنى حبنا للوطن الذي نريده أن يكون آمنا شامخا مزدهرا متطورا متآخيا متراحما لا ألعوبة في يد الفاسدين والمتعطشين للسلطة.

د. عبد الرزاق مقري

الوسطية في السياسة (1)



وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) البقرة 143


حينما قرأت تعليقات المتصفحين وجدت أن المعترضين الذين يتعرضون إلينا بالشتم أو يتهموننا ظلما بما ليس فينا صنفان: صنف حاقد منغلق صدامي لا يوجد في حياته إلا مواجهة نظام الحكم بالحق والباطل و يتهمنا بأننا كنا في الحكومة فكيف نعارض الآن، وصنف مغرور وحاقد كذلك ويتزلف لنظام الحكم ويدافع عنه بالحق والباطل ويؤلمه كذلك أننا كنا في الحكومة والآن نعارضها. وهذا لعمري دليل على استقامة منهجنا واستمراره ونجاحه بإذن الله إذ نقع بين طرفي التطرف في الجزائر الذين تسببوا في الأزمة التي نعيشها كما سنبين عبر هذه السلسلة الجديدة. وهو في نفس الوقت برهان على الهزال السياسي وضآلة الفكر عند هؤلاء وهؤلاء، هداهم الله وإيانا وعلمنا وإياهم.

ونقول لهم ما يلي:

أولا ـ في كل أنحاء الدنيا وفي كل الأجيال وأصناف البشر ينتقل الناس من رأي إلى رأي ومن موقف إلى موقف وفق تقديرات المصلحة وتوجيه المبادئ، ولا أخالف أنة ثمة من يتحول كالحرباء من أجل مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة، ولكن من الذي دخل قلوبنا وفحص ضمائرنا فعلم بأننا تحولنا من الحكومة إلى المعارضة من أجل المصلحة الشخصية وليس المصلحة العامة، ألم يغير علماؤنا آراءهم وفتواهم حينما تغيرت البيئة والظروف، ألا يعرف هؤلاء أصل تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان. ثم لماذا لا يقول الناس في الدول المتقدمة والأنظمة الديمقراطية للحزب الذي كان في الحكومة ( يحكم وحده أو متحالفا) ثم خرج منها لما خسر الانتخابات ( كما وقع لنا نحن كما يقول طرفا التطرف) بأنه لا يحق لك أن تعارض الآن لأنك كنت في الحكومة؟.
...يتبع... 


ملاحظة: سيكون الحوار مشوقا !!!!، وسيظهر جمال وفائدة الحرية، نتحاور عبر صفحات التواصل الاجتماعي بلا رقابة حكومية، ولا مقص، ولا تعسف صحفي ظالم جائر أو أجير...( السلبية الوحيدة أن كثيرا من المعلقين لا يستعملون أسماءهم وصورهم الحقيقية)

Loading

تابعنا

Twitter Facebook Favorites